عبد العزيز صالح الصالح ">
عندما يتناول المرء هاتان الكلمتان المتبينتان فيما بينهما الدّيمقراطية أو الأرستقراطية فإن المرء ينظر لهاتان الكلمتان بنظرة ثاقبة واعية تحمل، بين طياتها وجنباتها التّأمل والتّفكر والتّعجب، علماً أن الطّبيعة تحمل في جملتها أسس الدّيمقراطيَّة لا اسس الأرستقراطيَّة التي تجعل المرء يتحلى بالأرستقراطية التي تحمل صفة ذميمة فالشّمس مثلاً ترسل أشعَّتها الذّهبيَّة إلى الكون وكذلك القمر يرسل أشعَّته الفضيَّة الجميلة إلى النَّاس كافَّة لا فرق بين هذا وذاك لا بين غني أو فقير الكل سواء - فعندما تهب الرياح العاتية والأعاصير القويَّة على الأمَّة جميعاً لا تفرق بين قوي أو ضعيف ولا عظيم أو حقير الكل سواسَّية عند خالق هذا الكون العظيم - حيث إن فصول السّنة عامَّة سواء فصل الصّيف تهب رياحه إلى الأمَّة فتلفح وجوهم على السّواء لا تفرق بين هذا وذاك ولا تميز عظيماً ولا حقيراً ولا شريفاً ولا وضيعاً ثم يأتي فصل الشّتاء المحمل بهواء بارداً قارساً فلا يستطيع المرء الغني أن يتّقيه بكافَّة وسائل التدفئة المتاحة لديه. كما أن المرء الفقير لا يستطيع أن يتقيه بكافة وسائله الضّعيفة - ثم تهب عليهم ريحاً طِّيبة تنعش أنفاس الأمَّة بهوائها العليل وهكذا الدّنيا. ثم تظهر عليهم أشعَّة الشَّمس الجميلة ويعتدل الطّقس فتحتضن الطّبيعة النَّاس على حد سواء وتكون لهم أماً حنوناً تدافع عنهم بكل ما تملك.
أما الفئة المخمليَّة في أي مجتمع ((ما)) فإنهم يشعرون بأنفسهم أنهم فوق الفئات العامَّة وأنهم يستطيعون في شرع العرف والعادة أن ينعموا بما لم ينعموا هؤلاء - حيث أن كافَّة الأمور تفسح لهم وكافَّة الطرق تسهل لهم وكافَّة السبل تعد لهم. وكافَّة الأبواب تفتح لهم وأبجديات التّعامل تيسر لهم عن الفئات الكادحة من النَّاس.
حيث إن هذه الفئة من البشر لن تحدثهم أنفسهم يوماً من الأيَّام أنه يمتازون عن الفئات الأخرى لا في فصل الحر ولا في فصل الشتاء.
فإن التلاعب بأوضاع الآخرين سواء عن طريق السّخرية أو الاحتقار أو الاستهتار فهو أمام أوضاع الطّبيعة حقير وذليل.
فمثلاً امرأة المزارع البسيط تلد في داخل الحقل وهي تساعد زوجها على ظروف الحياة وتحمل طفلها وتذهب به إلى بيتها سالماً غانماً أما امرأة الغني تلقى عناية فائقة من الكادر الطبي المتخصص داخل المشفى فعندما تلاحظ الطّبقة الأرستقراطية المتعلمة - فإنك تجد المتعلم منهم ينظر إلى أخيه الأمي أو الجاهل نظرة فيها شيء من التّعالي والتّغطرس وشيء من الازدراء وشيء من الغرور لماذا لأنه مصاب بداء الغرور يظن أن مؤهله العلمي الذي يحمله ويخوله الحق حيث يجد أن جميع آرائه في كل شيء خير الآراء وأن الذين لا يحملون مؤهلات علميَّة مثله لا يحق لهم أن يبدو رأياً أو فكراً أو مشورة حتَّى فيما ليس لهم اختصاص فيه.
علماً أن الفئة الأرستقراطية من النَّاس التي تتصف بالكذب لا تعبأ بها الطبيعة ولا تعيرها أي أهمِّيَّة فقد جعلت بين الفئة المتعلمة أذكياء وأغبياء - وجعلت بين الفئة الأمية أذكياء وأغبياء.
فالحكمة القائمة والسّائدة تبني على أمور عدَّة تتمثل في تصريف الأمور لا تعتمد على التّعلم وسعة الأفق في العلم - كما تعتمد على الفطرة البشريَّة والغريزة الإنسانيَّة قد تجد إنساناً يحمل مؤهلاً علميّاً عاليّاً وهو في نفس الوقت أمياً في أمور الحياة العامَّة سفيه التصرف والعمل وتجد إنساناً جاهلاً وفي نفس الوقت أمياً لا يفك حرفاً - يمتاز بالحكمة في تصرفه وفي شؤون حياته بحكمة واقتدار.
وتجد إنساناً يحمل شهادة عاليَّة جداً وفي كافَّة أموره الخاصَّة والعامَّة ضعيفاً جداً لا يستطيع أن يتصرف بقواعد الحكمة والأمَّة في أي مكان ((ما)) وفي زمن ((ما)) وعصر ((ما)) قد أُصيبت في يوم من الأيَّام على أيدي متعلميها في احوالها السّياسيَّة والاجتماعيَّة والأدبيَّة والعلميّة - أكثر من أيدي جاهليها فالذكاء مشاع بين المتعلم والجاهل فإنني أحث إخواني أفراد الأمَّة جميعاً أن يبتعدوا قدر الإمكان من التّعالي والتّغطرس والغلو في الطريقة الأرستقراطية بجميع أنواعها وأسسها ويحاولوا بقدر المستطاع التّمسك بأسس الطّبيعة الدّيمقراطية التي تمتاز بالاعتدال والإنصاف في كافة الأمور.
والله الموفق والمعين