ثباتٌ يُسند روح أمي ">
عشرون سنة كانت عمراً
اقتص من عمر والديه
وانتظار عيد لا يكتمل إلا به
عشرون سنة لا نسمع مدافع رمضان إلا معه
عشرون سنة قفزنا بها تكراراً لعودته
كبر ذلك الرجل واشتعل الرأس شيباً
وكادت أن تنتصف به الأربعين
لا ونيس يقاسمه الحياة ولا جليس
غير عمله الجميل الذي اقتضى عمره به
ولم يتركه لنا
آه من ذلك السفر الذي سرقك من حضن أمك
ومن نظرات أبيك
واختنق به اشتياق أمي
قال أخيراً إنه سيتزوج
ارتدينا الفرح بهذا الخبر...
بحثنا لتلك العروس
واكتمل كل شيء
خلال تلك النهارات بات حديثنا فرحة
نعم زفاف ذلك الفهد
عقد قرانه وسافر قبل مراسيم الفرح بأسابيع
ليعود ويتم كل شيء
ذلك الليل المقيت الذي أتى بصوته في هاتفي
صوتٌ منتفض متقطع الكلمات مرتعش النفس
صوت يقول أنا سأموت
كانت هذه الكلمة كالرصاصة
في وسط أذني
وكأن السموات سقطت فوق قلبي
جاءت أمي فجاءه بين عيناي
ماذا سأقول لهم
من سيسافر ليأتي به؟!
وللحظة قلت لنفسي أين أجد أبي
وهل سيأتي به؟ هل سأراه ثانية
أم انه كما قال سيموت؟
وبين لحظة وضحاها صار بيننا جثة هامدة
لا نور في وجهه فقط رجل يتنفس
لا أحد يعرف ماذا حدث وكيف حدث
ماذا حدث أيها الفهد يتمتم لا اعلم لكنني سأموت
كيف لذاك الفرح بات حزناً
ما هو مصير ذلك الزفاف
واعتلى السرير الأبيض
ذهب به المرض في غيبوبة
غابت معها بسمتي وضحكات أمي
مات كلامها ونسيت أين كان كحل عينيها
بكينا كثيراً انهارت أفراحنا
ماذا كنت ستسمي طفلك يا خالي
انهض كل شيء توقف معك
صاعقة نزلت في تاسعة نهار فوق حياتنا
يوم وفاتك ذلك الشهر المحرم ..!!
ثباتاً يا ربي اسند به روح أمي لكن لا جدوى
انزويت هناك بين مصدق ومعترض
اللهم لا اعتراض اللهم لا جزع
وارتدت عروسك ثوب الحداد
واجتمع الناس لعزاك أحسن الله عزائي
وعظم اجر قلوبنا ووهبنا أجرا على فراقك
الذي يتجدد حزنه كل عيد وكل فرح
كبرنا يا خالي وكبر الأطفال الذي كنت تداعبهم
من قال إن ذكراك انقطع ,
فجميعنا ندعو لك ونبتسم ,
وحبك لم يؤثر به الموت
موتك كان بداية معرفتي بالفراق وبالوجع وبالموت
يقيناً يملأ جوانب صدري بان الموعد الجنة
رددت أمي كثيراً باكيه : مات
ولم افرح به ولم أتحدث كفاية
مات ولم نضحك كثيراً
عوضنا بك الصبر والسلوان
وعوض شبابك الجنة
سبع سنوات كأنها تاسعة نهار الأمس
رحمك الله يا فهد .
شروق سعد العبدان - الرياض 1437هـ