أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال الإمام أبو محمدٍ بنُ حزمٍ قَدَّسَ اللهُ رُوْحَهُ ونَوَّرَ ضَرِيْحَهُ في كتابه (الإحْكامُ لأصولِ الأحكام)/ دارِ الحديث بالقاهرة ص1108 - 1109: «حدثنا أحمد بن قاسم: ثنا أبيْ قاسمُ بنُ محمد بن قاسم: ثنا جَدِّيْ قاسمُ بنُ أصبغ: نا بكر بن حماد: نا حفص بن غياث: عن داودَ بن أبي هند:عن مكحول: عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إن الله فرض فرائض فلا تُضَيِّعوها، وحدَّ حدوداً فلا تعتدوها، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء من غير نسيان لها رحمةً لكم فلا تبحثوا عنها».. [و] كتب إليَّ النمري يوسف بن عبد الله [هو ابن عبد البر]: نا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي الباجي: نا الحسين بن إسماعيل: نا عبد الملك بن يحيى: نا محمد بن إسماعيل: ثنا سنيد بن داود: نا محمد بن فضيل: عن داود بن أبي هند: عن مكحول: عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها؛ وحدَّ حدوداً فلا تعتدوها، وعفا عن أشياء رحمةً لكم لا عن نسيان فلا تبحثوا عنها».. [و] حدثنا أحمد بن قاسم قال: نا أبيْ القاسمُ بنُ محمد بن قاسم قال: نا جدي قاسم بن أصبغ: نا محمد بن إسماعيل الترمذي: نا نعيم بن حماد: نا عبدالله بن المبارك: ثنا عيسى بن يونس: عن جرير -هو ابن عثمان-: عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير: عن أبيه: عن عوف بن مالك الأشجعي قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم؛ فيحلون الحرام، ويحرمون الحلال».
قال أبو محمد: حريز بن عثمان ثقة، وقد روينا عنه أنه تبرَّأ مما نُسِب إليه من الانحراف عن عليٍّ رضي الله عنه.. ونعيمُ بنُ حماد قد روى عنه البخاري في الصحيح.. وفي الأحاديث التي ذكرنا في هذا الفصل، وفيما قبل هذا من أمره صلى الله عليه وسلم بأن يتركوا ما تركهم، وأن ينتهوا عما نهاهم، وأن يفعلوا ما أمرهم به ما استطاعوا: كفاية في إبطال القياس لمن نصح نفسه».
قال أبو عبدالرحمن: تَكَلَّم عن هذه الأحاديث العلَّامَةُ أبو الفرح عبدُالرحمنِ ابنُ رجبٍ رحمه الله تعالى في كتابه النفيسِ (جامِعُ العلومِ والْحِكَمِ)/ ط دارِ السلامِ بالقاهرة / طبعتُهم الأولى عام 1419هـ/ 2/817 - 823 ؛ فقال: «عن أبي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ جُرْثُومِ بن نَاشِرٍ رضي الله عنه: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إنَّ الله فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُوداً فَلَا تَعَْتَدُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهكوهَا، وسَكَتَ عن أَشْيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ مِنْ غَيرِ نِسيانٍ فَلَا تَبحَثُوا عنها» .. حديثٌ حسنٌ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيٌّ وَغَيْرُهُ؛ [و] هذا الحديثُ من رواية مكْحُول: عن أبي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ؛ وله علَّتان: إحداهما أنَّ مكحولاً لم يصحَّ له السماعُ عن أبي ثَعْلَبَةَ.. كذلك قال أبو مِسْهَر الدَّمشقي، وأبو نعيم الحافظ وغيرهما.. والثانية أنه اختُلف في رفْعه ووقْفه على أبي ثَعْلبة، ورواه بعضهم عن مكْحول عن قوله، لكن قال الدَّارَقُطْنِي: «الأشبهُ بالصوابِ المرفوع».. قال: وهو أشهَرُ، وقد حسَّنَ الشيخُ رحمه الله هذا الحديث، وكذلك حسنه قبله الحافظ أبو بكر السَّمْعَانِي في أماليه.. وقد رُوي معنى هذا الحديث مرفوعاً من وجوه أُخرَ.. خرّجه البزَّارُ في مسنده، والحاكم من حديث أبي الدَّرْداء رضي الله عنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أحلّ الله في كتابه فهو حلالٌ، وما حرَّمَ فهو حرامٌ، وما سكتَ عنه فهو عفوٌ؛ فاقبلوا من الله عافيته؛ فإن الله لم يكن لينْسَى شيئاً، ثم تلا هذه الآية{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (64) سورة مريم، وقال الحاكم صحيحُ الإسناد، وقال البزَّارُ إسنادهُ صالح، وخرَّجه الطبراني، والدارَقُطْني من وجه آخر: عن أبي الدرداء: عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث أبي ثَعْلبة، وقال في آخره: «رحمة من الله فاقبلوها»، ولكنَّ إسناده ضعيف.. وخرَّج الترمذي، وابنُ ماجه من رواية سيفِ بن هارون: عن سليمان التيميِّ: عن أبي عثمانَ: عن سلمانَ رضي الله عنه.. قال: سُئل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن السِّمْن والجُبن والفِراء، فقال: «الحلالُ ما أحل الله في كتابه، والحرامُ ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عَفَا عنه».. قال الترمذيُّ، رواه سفيان (يعني ابن عيينة): عن سليمان: عن أبي عثمانَ: عن سلمان رضي الله عنه من قوله، وكأه أصحُّ.. وذكر في كِتابِ العلل: عن البخاريِّ أنه قال في الحديث المرفوع: ما أُراهُ محفوظاً، وقال أحمد هو منكر، وأنكرهُ ابن معين أيضاً، وقال أبو حاتم الرازي: هو خطأٌ رواه الثَّقات عن التَّيمِي: عن أبي عثمان: عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً ليس فيه سلمان.. قلت وقد رُوي عن سلمان من قوله من وجوه أُخر، وخرَّجه ابن عدِي من حديث ابن عمر رضي الله عنهمَا مرفوعاً، وضعَّف إسناده، وَرَواه أبو صَالح الْمُرِّي: عن الجَرَيرِيِّ: عن أبي عثمانَ النَّهَدِي: عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً.. أخطأ في إسناده، وروي: عن الحسن مرسلاً، وخَرَّج أبو دَاود من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان أهلُ الجاهلية يأكلونَ أشياء، ويتركون أشياء تقذُّرا؛ فبعث الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم ، وأنزل كتابه، وأحلَّ حلاله، وحرَّم حرامه ؛ فما أحلَّ فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفوٌ ، وتلا قوله تعالى:{قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} (145) سورة الأنعام؛ وهذا موقوف.
وقال عبيد بن عمير: «إن الله عز وجل أحل حلالاً، وحرم حراماً؛ فَما أحلَّ فهو حلالٌ، وما حرَّم فهو حَرَامٌ، وما سكت عنه فهو عَفْوٌ».. فحديثُ أبي ثعلبة قَسَّمَ فيه أحكامَ الله أربعةَ أقْسامٍ: فرائضَ، ومحارمَ، وحدوداً، ومسكوتاً عنه؛ وذلك يجمع أحكام الدَّين كلَّها، [و] وقال أبو بكر السَّمعاني: «هذا الحديثُ أصلٌ كبيرٌ من أُصولِ الدين»، وقال: وحُكِي عن بعضهم أنه قال: «ليس في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثٌ واحد أجمْعُ بانفراده لأصول الدين وفروعه من حديث أبي ثعلبة».. قال: وحُكي عن أبي وائِلة المزني أنه قال: «جَمَعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الدين في أربع كلمات، ثم ذكر حديث أبي ثعلبة».. قال ابن السَّمعاني: «من عَمِلَ بهذا الحديث فقد حاز الثوابَ، وأَمِنَ من العقابَ؛ لأنَّ مَن أَدَّى الفرائِضَ، واجْتَنبَ المحارِمَ، ووقفَ عند الحدود، وترك البحث عما غاب عنه: فقد استوفَى أقسام الفضل، وأوفى حقوق الدِّين؛ لأن الشرائع لا تخرجُ عن هذه الأنواع المذكورة في هذا الحديث» انتهى.. فأمَّا الفرائض فما فرضَهُ اللهُ على عِباده، وألزمهم القيامَ به كالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج.. وقد اختلف العلماء رضي الله عنهم: هل الواجبُ والفرضُ بمعنى واحد أم لَا ؟.. فمنهم من قال: «هما سواء، وكلُّ واجب بدليل شرعي بكتاب أو سنة أو إجماع أو غير ذلك من أدلة الشرع فهو فرضٌ»؛ وهوَ المشهورُ عن أصحاب الشافعي وغيرهم؛ وحكي رواية عن أحمد؛ لأنه قال: «كلُّ ما في الصلاة فهو فرض»، ومنهمْ من قال: «بل الفرضُ ما ثبت بدليل مقطوع به، والواجبُ ما ثبتَ بغير مقطوع به»؛ وهو قولُ الحنفية وغيرهم.. وأكثر النصوص عن أحمد يفرق بين الفَرضِ والواجب؛ فنقل جماعة من أصحابه عنه أنه قال: «لا يُسَمَّى فرضاً إلا ما كان في كتاب الله تعالى»، وقال في صدقة الفطر: «ما أجْتَرِئ أن أقول: «إنها فرضٌ» مع أنه يقول بوجوبها؛ فمِن أصحابنا مَنْ قال: «مُرادُه أن الفرض ما يثبت بالكتاب، والواجبُ ما يثبت بالسنة»، ومنهم من قال: «أراد أن الفرض ما ثبتَ بالاسْتِفَاضة، والنقل المتواتر، والواجبَ ما ثبت من جهة الاجتهاد، وساغ الخلافُ في وجوبه».. ويُشْكِلُ على هذا: أنَّ أحمدَ قال في رواية الميموني في بر الوالدين: «ليس بفرض»، ولكن أقول واجب ما لم تكن معصية؛ وبِرُّ الوالدين مجمعٌ على وجوبه، وقد كثرت الأوامر به في الكتاب والسنة؛ فظاهر هذا أنه لا يقول فرضاً إلا مورد في الكتاب والسنة فرضاً، وقد اختلف السلف في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر هل يسمَّى فريضة أم لا.. فقال جويبر عن الضَّحاك: «هُما من فرائض الله عزَّ وجل»، وكذا رُوي عن مالك، وَرَوى عبد الواحد بن زيد: عن الحسن قال: ليس بفريضة.. كان فريضة على بني إسرائيل فرحمَ الله هذه الأمة لضَعْفِهِمِ؛ فجعله عليهم نافلة.. وكتب عبدالله بن شُبْرُمَةَ إلى عمرو بن عُبيد أبياتاً مشهورة أولها:
الأمر بالمعروف يا عمْرو نافلةٌ
والقائمون به لله أنصارُ
واختلف كلام الإمام أحمد فيه هل يسمى واجباً أم لا ؟.. فرَوَى عنه جماعةٌ ما يدل على وجوبه، وروى عنه أبو داود في الرجل يرَى الطَّنبُور ونحوه أواجبٌ عليه تغييرُه ؟.. قال: ما أدرِي، وأحب إنْ غيَّرَ فهو فضل.. وقال إسحاق بن راهويه: «هو واجب على كلِّ مسلم إلا أنْ يخشَى على نفسِه»؛ ولعل أحمدَ يتوقفُ في إطلاقه الواجب على ما ليس بواجب على الأعْيان، بل على الكفاية.. وقد اختلف العلماء رضي الله عنهم في الجهاد هل هو واجب أم لا ؟.. فأنْكر جماعةٌ منهم وجوبه.. منهم عطاء، وعمرُو بنُ دِينار، وابن شُبْرُمة؛ ولعلهم أرادوا هذا المعنى، وقال طائفة: «هو واجبٌ».. منهم سعيدُ بن المسيَّب، ومكحول؛ ولعلهما أرادا وجوبه على الكفاية، وقال أحمد في رواية حَنْبل: «الغَزْوُ واجِبٌ عَلَى الناسِ كُلِّهِم كوجوب الحج؛ فإذا غَزَا بعضهم أجزأ عنهم، ولابُدَّ للناس من الغَزْو»، وسأله المروَزِيِّ عن الجهاد أفرضٌ هو؟.. قال: قد اختلفوا فيه، وليس هو مثلَ الحج؛ ومرادُه أنَّ الحج لا يسقط عمَّنْ لم يحجَّ مع الاستطاعة بحجِّ غيرِه [عنه]؛ بخلاف الجهاد، وسئل عن النفير متى يجب ؟.. فقال: «أما إيجابٌ فلا أدري، ولكن إذا خافوا على أنفسهم فعليهم أنْ يخرجوا».. وظاهر هذا: التوَقُّف في إطلاق لفظ الواجب على ما لم يأت فيه لفظ الإيجاب تورُّعاً، وكذلك توقَّفَ في إطلاق لفظ الحرام على ما اختُلف فيه، وتعارضت أدلَّـتُه من نصوص الكتاب والسنة؛ فقال في متعة النساء لا أقول هي حرامٌ ولكن يُنْهَى عنه.. ولم يتوقف في معنى التحريم، ولكن في إطلاق لفظه؛ لاختلاف النصوص، والصحابة فيها.. هذا هو الصحيح في تفسير كلام أحمد، وقال في الجمع بين الأختين بملك اليمين: «لا أقول هو حرام، ولكن ننهى عنه».. والصحيح في تفسيره أنه توقَّف في إطلاق لفظ «الحرام» دون معناه.. وهذا كلُّه على سبيل الورع في الكلام؛ حذَراً من الدخول تحت قوله تعالى:{وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ}[سورة النحل/116].. قال الربيع بن خثيم: «لِيَتَّقِ أحدُكم أنْ يقولَ أُحِلُّ كذا، وأُحرَّم كذا؛ فيقولَ الله: كذبت لم أحل كذا، ولم أحرمْ كذا».. وقال ابن وهب: «سمعتُ مالك بن أوس يقول: أدْركت علماءنا يقولُ أحدهم إذا سُئل: أكره هذا ولا أحبُّه، ولا يقول، حلالٌ ولا حرام».. وأما ما حُكِي عن أحمد أنه قال: «كل ما في الصلة فرضٌ»؛ فليس كلامُه كذلك؛ إنما نَقَلَ عنْهُ ابنه عبدُالله أنه قال: «كلُّ شيئ في الصلاة ذَكره اللهُ فهو فرضٌ»؛ وهذا يعود إلى معنى قوله: إنه لا فرض إلا ما في القرآن، والذي وكَّده الله من أمر الصلاة: القيام والقراءة والركوع والسجود؛ وإنما قال أحمد هذا لأنَّ بعض الناس كان يقول: الصلاة فرض، والركوع والسجود لا أقول إنه فرض، ولكنَّهُ سُنَّة».
قال أبو عبدالرحمن: راجع أيضاً (جامِعُ العلومِ والْحِكَمِ) 2/823 -843؛ وقد تَضَمَّنَ بحوثاً دَسْمَةً خلالَ شرحه حديثَ: «إن الله فرضَ فرائض.. الحديث»؛ وهو جدير باهتمامي وتدقيقي في (مجموعةِ أعْمالي الكامِلَةِ)؛ وهي الآنَ خارِجُ نطاقِ موضوعِ (ما جعل الله لرجل مِن قلبين في جوفه)، والذي أُحَقِّقُه: (أنَّ حديثَ: تفترقُ أمتي على بِضْعٍ وسبعين فرقة) بإضافَةِ: (أَعْظَمُها فتنةً على أُمَّتِي قومٌ يقيسون الأمور برأيهم): حديثٌ باطِلٌ لا يَصِحُّ، وقد احتفى به الإمام أبو محمد أيَّما احتفاء في كتابه (إبطالُ القياسِ)، وفي أكثر كُتُبِهِ.. وأما حديثُ أبي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِي رضي الله عنه وما في معناه: فهو صحيح تلْزمُ به الْحُجَّةُ من جِهَةِ الإسناد مهما وَرَدَ من أقوالِ العلماء في توهينهِ؛ لأنَّ رواياتِه اجْتَمَعَتْ على معنى واحد؛ فَأَصْبَحَ صحيحاً لغيرِه؛ والإرْسالُ لا يَقْدَح فيه؛ لأنه موصولٌ بطرقٍ أخْرى.. كما أنَّ إرسالَ الصحابيِّ في حُكْم الْمَرْفوعِ إذا لَمْ يرد في معناه احتمالُ أنه من رواية أهل الكتاب.. والصحيح لغيرِه بطرقٍ ليس فيها كذَّاب: أثبتُ من خبر الآحاد الصحيحِ، وكلٌّ صحيحٌ؛ وإنَّما أتكلُّمُ عن الأصَحِّ والأثبتِ.. هذا من جِهةِ الإسناد؛ وأمَّا مِن جِهَةِ المتن فهو صحيحٌ تلزم به الحجة؛ لأنَّ أْحكامَ الدِّيانةِ بالاستقراء: وُجِدَت وَفْقَ التقسيمِ الجامِع في هذا الحديث الشريف؛ فلا تخرجُ أحكامُ الديانةِ عن هذه الْقِسْمَةِ الحاصِرة؛ وعليها شاهد من قوله تعالى:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (64) سورة مريم.. وكل جُمْلَةِ من الحديث لها شاهِدٌ من صحاحِ الأحاديثِ، وَوُجِدَ بالاسْتِقْراء: أنَّ هناك نوازِلَ سكت الشرعُ عنها؛ فهي مَتْرُوْكَةٌ لِاجْتهادِ الْعُلَماءِ، ولكن ليس على الإطلاق، ولكنْ في دائرة مَقاصِد الشَّرِيعةِ وكُلِّياتِها مع مراعاةِ الضرورات الْخَمْسِ كما في اتِّفاق الصحابة رضي الله عنهم في عهد عمر رضي الله عنه بعد اختلافهم في إعطاءِ عُمُرَ الوارِثَ الاسْمَ الْمُحَدَّدَ له شرعاً مع عدمِ الْقُدْرَة على صَرْفِ الْمُسمَّى إذا عالَتْ الفرائضُ.. وأما خلافُ ابن عباسٍ رضي الله عنهم فلا يُعارَضُ به اتفاقُ الصحابةِ، وما أمْضاه الخلفاءُ الأربعةِ الْمَهْدِيّْيُوْن.. على أنَّ ابن عباسٍ رضي الله عنهم جميعاً سكتَ هيبةً لِعُمَرَ، وأظهر بعد ذلك خلافَه، وقد حَقَّقْتُ هذه المسألة في هذه الجيدة منذ سنوات؛ وإلى لقاء عاجلٍ إن شاء الله تعالى في السبت القادم، والله المستعان.