محمد بن إبراهيم فايع ">
تعلمنا في مدارسنا أن الحضارة والتمدن هي في «السلوك البشري» وليست في «المظاهر المادية» ليست في المباني الشاهقة، ولا في الأرصدة البنكية، ولا في ارتداء الماركات المستوردة من مخازن باريس ولندن، ولا في ركوب أفخم السيارات المصنّعة في مصانع أمريكا واليابان» وكلها لا تساوي شيئا في حياة إنسان لو أحس «بوعكة صداع، أو إنفلونزا» فأحسّ للحظة بقسوة المرض، وطعم العافية، بل لو ودع الحياة، فإنه لا يقال عنه «لقد كان يلبس كذا، أو كان يركب سيارة من موديل كذا، أو كان يسكن قصرا، حتى وإن قيلت عرضا عند ذكره، لكنها لا توازي قول الناس عنه «لقد كان طيب القلب، كان خلوقا في تعامله، كان متواضعا مع الناس، كان مبتسما حينما يقابل من يعرف ومن لا يعرف، لقد كان ودودا» هذه هي التي تبقى، وتبقي الإنسان مخلدّا في ذاكرة من يعرفونه، وتبقى أعماله الخيّرة شاهدة له لا عليه، ولذلك الشاعر قال «وكن رجلا إن أتوا بعده.. يقولون مرّ وهذا الأثر «الأثر الديني، الأخلاقي، السلوكي، العملي الأثر في التعامل، في جودة الإتقان، ويا أسفي على ما رأيت من مقاطع «الفيديوتيوب» أظهرت لنا ما يبكي ويضحك في آن واحد أو كما قيل «وأسوأ الناس تدبيرا لعاقبة... من أنفق العمر فيما ليس ينفعه» فلقد أظهرت لنا «المهايطة» التي لا يمكن لشعب في الدنيا أن يجارينا نحن السعوديين فيها، لقد أصبحنا «أساتذة في الهياط» في «المكابرة» في «المظاهر» في الفهم المغلوط لمعنى «الرجولة، الكرم، الشهامة» أول مشاهد مسلسل الهياط السعودي، شاب يدخل على مجلس أظنه احتفالية زواج ليعلن أنه أتى «بمعونة» وهي تعني في العرف القبلي «مساعدة للعريس، عبارة عن مبلغ من المال، أو مواد عينية» وكان يعلن أن على راعي المناسبة قبولها؛ وإلا! وإلا سيطلق النار على قدمه من رشاش يحمله بين يديه! ليصيح الجمع «هداء هداء!» فأي هياط هذا؟! أحد الأشخاص فاز في الترشيحات الأخيرة للمجالس البلدية، وكثير منّا يعلم دور القبيلة في بلوغ «بعض المرشحين إلى عضويتها «أقول بعضهم، ولا أتهم أحدا، المهم أن هذا الرجل الذي فاز بعضوية أحد المجالس البلدية في محافظة صغيرة، أقبل عليه بنو قومه من شرقها وغربها، وكل واحد يحمل إليه «مبالغ مالية تقدر بعشرات الآلاف، ورؤوسا من المواشي، وبعضهم قدر على أن يهديه سيارة، وحقيقة لم يكن المشهد أكثر من «مزايدات علنية» سيارات، آلاف الريالات، مواشي! وكان بعضهم يعلن صدق عطائه للمرشح، فلا يجد أبغ من الحلف «بالطلاق» ليتم قبول عطائه، وكأن «الطلاق أقوى إقناعا من الحلف بالله!» أستغفر الله مما فعلوا وقالوا، وفي المشهد هناك من تحمر عيناه، من بعض الحاضرين، وتنتفخ أوداجه، حينما يعلم بأن هناك من فاقه عطاءً، ثم يخرج من يعلن دخوله ذلك المزاد بهدية أكبر! فأي هياط هذا؟! مشهد آخر يبكي ويضحك معا «وشر البلية ما يضحك» أحد الرجال في مجتمعي السعودي الطيب يقدم «علفا» لإبله رُزما من المال»! ويدعوها لتلتهم هذه «الرزم من المال» فأي هياط هذا؟! أحدهم يرمي «رزما من المال على أرضية إحدى غرف منزله، ثم، والله للقلب يشعر بالألم، حين يود يذكر لكم ما بعد ثم، ثم يأتي «بمكنسة» ليكنس «الفلوس» التي رماها على الأرض، فأي هياط هذا؟! بالأمس يطرح مجموعة من الشباب «أكياس الهيل» أمام ضيوفهم ليقوموا بشقها وسكبها على الأرض لإعلان مقدار كرمهم لضيوفهم ومحبتهم لهم، فأي هياط هذا؟! ومشهد من يسكب البنزين على يديه ليقول للعالم هانحن نغتسل به، ولا يهمنا زيادة سعره، فأي هياط هذا؟! وبعضهم «يعزم» ضيفا أو ضيفين أو ثلاثة، ثم يقدم بين أيديهم خروفا كاملا، أو خروفين، وقد توسط الصحن قعود، وفوق هذا يقول «المعذرة سامحونا، والله ماهي قدركم!» ثم لتكتمل حلقات مسلسل الهياط السعودي، بمنظر الذين «يدفقون على أيديهم» المدسّمة «بشحم» المفطّحات «دهن العود الملكي»، ليقول أحدهم مفتخرا بما يصنع «الماء والصابون ممنوع»! فأي هياط هذا؟! يا ترى هل حسبنا عواقب ما يقوم به هؤلاء الذين هم منّا وفينا ونحن نرى الجوع والفقر والمرض والحروب تشرد وتخنق وتقتل حولنا دولا؟ وهل أخذ على أيديهم كي لا يعودوا لما صنعوا ويجعلونا أضحوكة في أفواه الناس؟! وهل يعرف هؤلاء «المهايطون» كيف عاش آباؤهم وأجدادهم، جيل لم يعرف بعضهم «دقيق البر» وقد خشنت معدهم من «الشعير» إن وجدوه، وبعضهم كان ملبسه ثوبا «من المبروم الخشن» وكانت «بيوتهم من الطين وبعضها من الحجر أو من جريد النخل»، دعوني وأنا في قمة ألمي مما يحدث أودعكم ببيت لأبي البقاء الرندي يقول: «إن الأمور كما شاهدتها دول... من سرّه زمنٌ ساءته أزمانُ» فمن يتعظ؟!