عبدالعزيز محمد الروضان ">
تصرفات بعض شبابنا هي مرفوضة وممقوتة نقلاً وعقلاً ولا تمت للدين بصلة لا من قريب ولا من بعيد، كما أنها لا تمت للأخلاق كذلك ولا لأي ذات تنتمي إلى الذات الإنسانية، إذاً فتجريمنا لتصرفات هؤلاء الشباب مسألة مقطوعة لا يساورنا فيها أدنى شك مهما كانت الدوافع والظروف والأسباب، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه علينا لماذا يتنكب شبابنا عن الصراط المستقيم ويتولد لديهم هذا النشاز؟؟ يُجمع علماء التربية على أن الذات الإنسانية تولد وتأتي إلى هذا الكون وهي سوية الطباع لا انحراف يعتريها، وإذا كان علماء التربية يقولون كذلك فإن دين الله تعالى قد سبقهم في ذلك فإن الله تعالى يقول في وحيه الطاهر: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} فمن سياق هذا النص القرآني تصريحاً وتلميحاً نفهم أن الذات الإنسانية سليمة التكوين في كل شيء.
إذا كان الأمر كذلك فلماذا ينحرف شباب الأمة عن هذه الفطرة الأصيلة!!؟ لا أشك أن هناك أسباباً قد تكون مجتمعة أو منفردة تؤثر على شباب الأمة ومن ثم تعصف بهم ذات اليمين مرة وذات الشمال مرة وتجعلهم كالريشة في مهب الريح.. فالتنشئة الدينية والتي أحياناً يقود زمامها الدعاة والوعاظ وخطباء الجمعة والمعلمون، وربما الوالدان، وقد تكون وسائل الإعلام تشارك في ذلك ولاشك أنهم حسِنو النوايا يهمهم صلاح الشباب وأنهم يريدون لهم الخير ويسعون إليه بكل ما أوتوا من وسائل، ولكن عادة لا بد أن يردف مع حسن النوايا الفهم الصحيح لمضامين ومقاصد هذا التشريع المتين، فحسن النوايا لا يكفي لوحده.
وإن من تلك الممارسات التي تؤخذ على من يتصدر في التنشئة الدينية للشباب هو تزهيد الناشئة في الحياة الدنيا بصورة لا يعضدها دليل بل بصورة يمُجها الدين، فالدين الإسلامي قد أخذ بالحسبان أن الحياة الدنيا يجب أن تُعاش وتُقطف ملذاتها شريطة أن لا تكون هذه الملذات على حساب الدين وجوهره واسمعوا إلى قول الله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} وإن دين الله وما أنزل الله علينا قد ندبنا الله إلى أن يكون لنا مطية في الدنيا ويكون كذلك مطية إلى جنان الخلد وهذه معادلة إسلامية حثنا الباري على سلوكها قال تعالى: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} إذاً فالدين الإسلامي قد ساق لنا هذه المعادلة المتساوية الأطراف فمن نهجها سلم.. وقد ورد في الأثر» الدنيـا مطية الآخرة « فبصلاح الدنيا تُنال جنة الآخرة.. إذاً إن محاولة حرمان الناشئة من ملذات الدنيا المباحة وقطع كل ملذة عنهم فإنهم حينئذ يضيقون ذرعاً في هذه الحياة لكونهم لا يجدون متعة فيها، بل كلها حرمان ومن ثم يتطلع إلى ما فيه خلاصه وهو التوق إلى الجنة علماً أن الممارسات التي يتصيد بها الجنان هي ممارسات عقيمة لا تفضي به إلى الجنة بل تفضي به إلى سقر، كل هذا بسبب قصور في فهم مقاصد الدين ،وإلا قل لي بالله عليك أيها الشاب أإزهاق نفس بريئة تتعبد الله في محاريب الإيمان تعده قربة لله؟؟ ما أريد قوله إن حفز الناشئة على متع الجنان والزهد في الدنيا ذلك تجديف في الحياة ومسلك لا يسوغه الشارع الحكيم.. إن الشاب الذي انحرف وهرطق في حياته الدنيا وأهلك الحرث والنسل ينسى أنه لم يزرع لآخرته. وكل هذا وذاك بسبب تحقير الحياة الدنيا وزهده فيها زهدا يراه الشارع الحكيم أنه مسلك غير سليم. ولا يمكنني أن أغض الطرف أن شبابنا يواجهون هجمة شرسة ممن يريدون أن تعيش هذه البلاد المباركة في فوضى وأن تتمزق وحدتنا وأن نكون على صفيح ساخن نعيش كما يريدون وأنى لهم ذلك.. لأننا في هذه البلاد المباركة نملك علماء أجلاء همهم الوحيد تجلية الحق ولا سواه، كما أنا نعيش في أحضان ولاة أمر كل همهم صلاح أمر هذه البلاد ووحدتها.. وأن كل نشاز فكري مصيره أن يتوارى كالسراب ولن يحط رحاله في أرجاء وطننا الغالي، واللهم احفظ بلادنا وشبابنا من عبث كل عابث.