يوسف المحيميد
البلاد التي لا متاحف فيها بلادٌ مصابة بالزهايمر؛ لأنها بلا ذاكرة. ورغم أن الكتاب كوعاء يمكنه تدوين هذه الذاكرة، وعرض تاريخ الأمم والشعوب وحكاياتها، لكنه يبقى عملاً ذهنياً. فقد يشرح الكتاب شكل الترس أو الرمح، لكن المتحف يضعه أمام عينيك، تراه، وقد تشمُّه وتلمسه!
لذلك اهتمت دول العالم المتقدم بالمتاحف، وأنشأت مئات المتاحف المدهشة والمتجددة. فلكل شعب، ولكل حضارة، ولكل أمة متاحفها، بل أصبح للفنون متاحفها الخاصة، حتى أصبحت قيمة الفنان التشكيلي أو النحَّات - على سبيل المثال - ترتبط بمدى وجود لوحاته ومجسماته في المتاحف، وهو ما نفتقده هنا؛ إذ لم يُخصَّص جزء من المتحف الوطني لأعمال هؤلاء الرواد من الفنانين والأدباء وغيرهم.
ورغم ذلك لا بد من الإشادة بجهود هيئة السياحة والتراث الوطني وما تقوم به من تعاون ثقافي بينها وبين المتاحف الألمانية في إطار مشروع خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري، الذي يهدف إلى تعزيز العلاقات الثقافية بين المملكة ومختلف دول العالم، خاصة في المعرض الذي أُقيم مؤخراً بعنوان «عواصم الثقافة الإسلامية الأولى» في المتحف الوطني، الذي ضم أكثر من 100 قطعة أثرية من الحضارة الإسلامية، وهي من القطع المعروضة في متحف البيرجامون الألماني. وقبل ذلك نقلت قطع أثرية من المملكة، وتم عرضها في متاحف عالمية؛ لإطلاع الزائر والمختص والمهتم الأجنبي عليها.
وفيما يخص القطع التي نرسلها للمتاحف العالمية لفترة من الزمن تحظى بالاهتمام والمتابعة، لكن ماذا عن القطع التي نجلبها من متاحف عالمية إلى متحفنا الوطني؟ هل ثمة أحد يهتم بزيارة المتحف للاطلاع عليها؟ هذا سؤال مهم على هيئة السياحة والتراث الوطني الإجابة عنه، وبحث أسباب القطيعة المتحفية التي يمارسها المواطنون هنا، رغم أن نسبة منهم - حتى ولو كانت قليلة - يهتمون بزيارة المتاحف العالمية، فلماذا يحرصون على المتحف هناك، ويتجاهلونه هنا؟ رغم أن القطع التي ستدهشه هناك، تم نقلها هنا، ووُضعت أمام عينيه؟ أعتقد أن على الهيئة عمل شاق في العمل الإعلامي والإعلان عن المتاحف، وتوفير كل وسائل الراحة فيها، والتجديد المستمر فيها، ومنح الفنون فرصة الحضور فيها، كمعارض تشكيلية دائمة ومتنوعة، ومجسمات جمالية، وغيرها.
وبعيداً عن هذه الفئة القليلة المهتمة بالمتاحف حينما تسافر، لنتساءل بشكل أوسع: لِمَ لا يهتم المواطن العادي بالمتحف؟ ما الذي يجعله بعيداً عن أحد أهم مصادر الثقافة؟ تماماً كبعده عن المكتبات والمعارض التشكيلية؟ هل هو لا يعني بالكتاب والثقافة عموماً؟ أعتقد لا؛ والدليل هذا الحضور السنوي الكثيف لمعرض الرياض الدولي للكتاب، ولمهرجان الجنادرية؛ لذلك ثمة خلل في التسويق لأنشطة المتاحف والمعارض. لا بد من التركيز على طلاب المدارس، بتنظيم زيارات لهم، لزيارة المتحف والمعرض، وجعلها همًّا يوميًّا معاشاً؛ فتربية هؤلاء منذ الصغر على حب المتاحف والمعارض، وشرح حكاية كل قطعة لهم بقالب قصصي مشوق، يجعلهم أكثر قرباً للمتاحف. ففي الغرب يتعب المربون على تنشئة أطفالهم، ويصنعون ثقافتهم وذائقتهم واهتماماتهم باكراً، بجعل المتحف والجاليري والمسرح والسينما جزءاً من تفاصيل يومهم، على خلافنا حينما نصنع من المركز التجاري والمطعم جزءاً يومياً أصيلاً من حياة أطفالنا، حتى نشؤوا - للأسف - بدناء سطحيين إلى حد كبير.
لذلك لا يكفي أن ننقل القطع الرائعة من الحضارة الإسلامية من متاحف عالمية، بل لا بد من العمل على جذب اهتمام المواطنين وتحفيزهم على زيارة المعرض.