م. خالد إبراهيم الحجي
كشفت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة) عن تأخر وتعثر 672 مشروعاً من أصل نحو 1500 مشروع قامت بمتابعته، أي نحو 44% من إجمالي المشاريع الحكومية، وذلك على مدى 3 سنوات ماضية، والمشاريع المتأخرة أو المتعثرة ليست في جهة حكومية واحدة وإنما هي متنوعة وفي قطاعات حكومية مختلفة. وهيئة نزاهة التي يقتصر اختصاصها على البحث عن مواطن الفساد في سير العمل للمشاريع الحكومية قد أكد المتحدث
الرسمي عنها، خلال حديثه على قناة العربية في 10 فبراير 2016م، على أن التأخير والتعثر في 44 % من المشاريع الحكومية ليس بسبب الفساد، وعلى الرغم من الأسئلة المباشرة والصريحة من قبل مذيع قناة العربية، التي استغرب وتعجب فيها من تأخر وتعثر هذه النسبة من المشاريع الحكومية مع عدم وجود فساد فيها، إلا أن المتحدث الرسمي لهيئة نزاهة قد كرر نفيه لوجود مؤشرات فساد في المشاريع المتأخرة والمتعثرة. مع أن المسوغات اللازمة لنجاح المشاريع الحكومية متوفرة بدايةً من الأرض المناسبة لإقامة المشاريع عليها، وجاهزية التصاميم إلى توفر الاعتمادات المالية، والإشراف الهندسي المباشر من الإدارات الهندسية الحكومية أو التعاقد مع مكاتب الاستشارات الهندسية الخاصة. والتأخير والتعثر لـ 44 % من المشاريع الحكومية نسبة مرعبة لأنها تقترب من نصف المشاريع الحكومية، وتدعو إلى القلق الشديد، وحيث إن تقرير هيئة نزاهة أفاد بأن تأخر وتعثر المشاريع ليس بسبب الفساد لذا يجب أن تُحدد جهات حكومية مختصة تُكلف بالنظر والبحث عن الأسباب الحقيقة لهذا التأخير والتعثر للقضاء عليها، مع وضع الحلول المناسبة وتوفير طرق العلاج السريع والحاسم لإنقاذ المشاريع الحكومية من حالات التأخير والتعثر، وتلافيه في المشاريع المستقبلية لأن هذا التأخير والتعثر للمشاريع الحكومية لا يمس مشاريعاً تقتصر على جهة حكومية واحدة مستفيدة، وإنما هو تأخير وتعثر عام يشمل جملةً من المشاريع المتنوعة في قطاعات حكومية مختلفة تابعنتها هيئة نزاهة على مدى ثلاثة سنزات سابقة. وتقرير نزاهة الذي ينفي وجود فساد في المشاريع الحكومية، ومع وجود هذا الكم الهائل من التأخر والتعثر في المشاريع الحكومية، يجعلنا نعيد النظر في الآلية التي يتم بواسطتها إسناد المشاريع الحكومية للمقاولين، لأنه عند مقارنة نظام المناقصات السعودي مع نظام المناقصات الأمريكي نجد اختلافاً جوهرياً، يتمثل في آلية ترسية وإسناد المشاريع الحكومية على مختلف المقاولين، فنظام المناقصات الأمريكي يطبق ضوابط هندسية مجربة تحول دون أسباب تأخر المقاولين وتقلل من احتمالات تعثرهم، وهي ضوابط ثبت نجاحها من خلال التجربة العملية لأنها مصممة للتأكد من مناسبة أسعار المقاولين لتنفيذ المشاريع ومنافستها للأسعار السائدة في الأسواق المحلية للأعمال المماثلة، ووجه الاختلاف بين نظام المناقصات السعودي والأمريكي يكمن في طريقة تسعير الأعمالتنفيذ المشاريع، لأنها في نظام المناقصات السعودي تكون أسعاراً مدمجة مع المصاريف الإدارية والأرباح، وتظهر في عقود المقاولين في صورة مبالغ كلية، أي أن الأعمال المحددة بجداول الكميات في كراسات المناقصات للمشاريع يتم تسعيرها بمبالغ تشمل الأسعار المباشرة والمصاريف الإدارية والأرباح، أو ما يعرف بالأسعار الكلية، بينما في نظام المناقصات الأمريكي يتم تسعير الأعمال المحددة بجداول الكميات في كراسات المناقصات للمشاريع بأسعار تفصيلية كالتالي:
البند الأول: التكاليف المباشرة: وهي أسعارالمواد الخام وأجور الأيدي العاملة (المصنعية) اللازمة لتنفيذ الأعمال المحددة بجداول الكميات في كراسات المناقصات، وأسعار الأعمال وفق الكميات المذكورة يجب أن تكون متماثلة أو متقاربة لجميع المقاولين المتنافسين على المشاريع ومنافسة للأسعار السائدة في الأسواق المحلية، فمثلاً سعر تنفيذ متر مكعب خرسانة مسلحة (مواد خام ومصنعية) يجب أن يكون مماثلاً أو متقارباً بين جميع المتنافسين، وفي حدود السعر السائد في السوق المحلي لأن التكلفة المباشرة لا تحمل مصاريف إدارية أو أرباح.
البند الثاني: التكاليف غير المباشرة (المصاريف الإدارية): وهي تمثل مصاريف المكاتب الرئيسة للمقاولين ومصاريف التمويل وجميع المصاريف الأخرى خلاف المواد الخام والمصنعية. وهذه المصاريف الإدارية يحددها المقاولون أنفسهم كنسبة ثابتة من التكاليف المباشرة، وبحسب رأي كل مقاول وتقديره لتغطية مصاريفه الإدارية، وقد ثبت من التجربة العملية أن المصاريف الإدارية تتراوح بين 8 % - 13 % من التكاليف المباشرة لأن المتنافسين على المشاريع الحكومية يدركون أن انخفاض تقديرات المصاريف الإدارية سيقلل من إجمالي قيمة عروض أسعارهم وبالتالي تزيد فرص فوزهم في تنفيذ المشاريع الحكومية، كما أن ارتفاع تقديرات المصاريف الإدارية سيرفع إجمالي قيمة عروضهم وبالتالي يقلل فرص فوزهم بالمشاريع الحكومية.
البند الثالث: الأرباح: وهي نسبة لا يحددها المتنافسون حسب رغبتهم وإنما تحددها الجهات الحكومية في كراسات المناقصات، وعادةً تكون في حدود 15 % من التكاليف المباشرة في نظام المناقصات الأمريكي، و15 % هي أيضاً تمثل نسبة الأرباح التي تحتسبها مصلحة الزكاة والدخل لتقدير زكاة المشاريع، وبالتالي ستكون الأرباح منفصلة عن التكاليف المباشرة وموحدة بين المتنافسين على المشاريع.
إن البند الأول الخاص بالتكاليف المباشرة هو البند الأهم بين البنود الثلاثة المكونة لعروض الأسعار، وغالباً هو البند المتسبب في تعثر المقاولين عندما تكون التكاليف المباشرة (أسعار المواد الخام وأجور الأيدي العاملة) أقل من الأسعار السائدة في الأسواق المحلية. وعدم قدرة لجان التحليل الفني على تحديد التكاليف المباشرة بدقة قبل ترسية المشاريع على المقاولين يؤدي إلى احتمال تعثر المقاولين بعد الترسية عليهم نتيجة عجزهم عن تغطية التكاليف المباشرة التي تتمثل في توفير المواد الخام بالإضافة إلى سداد أجور الأيدي العاملة في المشاريع، ونظام المناقصات السعودي بآليته الراهنة يقارن بين القيم الكلية لعروض المقاولين، ولا يسمح للجان التحليل الفني بمقارنة عروض أسعار المتنافسين على المشاريع الحكومية على أساس كل بند على حدة للتحقق من صحة أسعار التكاليف المباشرة، البند الأهم في عروض الأسعار. وللقضاء على ظاهرة تأخر وتعثر المقاولين في المشاريع الحكومية، وتلافي تفاقمها في المستقبل نحتاج إلى تعديل جداول الأسعار في نظام المناقصات السعودي ليتألف من ثلاثة بنود منفصلة عن بعضها البعض، طبقاً لنظام المناقصات الأمريكي في البنود الثلاثة السابق ذكرها.
الخلاصة:
إن تقرير نزاهة يجب ألا يمر مرور الكرام لأن تعثر نصف المشاريع الحكومية تقريباً سبب كاف يوجب علينا إعادة النظر في آلية ترسية المشاريع الحكومية على المقاولين.