صوت العلم الشرعي الصحيح ضعيف.. والإعلام مقصّر في نشره والدعوة إليه!! ">
الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
أوضح فضيلة الشيخ الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل أستاذ العقيدة بكلية أصول الدين بالرياض أن هناك عدّة أسباب وراء حدوث التفجير والتدمير في المجتمعات الإسلامية من أهمها ضعف العلم والبصيرة بدين الله وبأمره وشرعه، واتباع الهوى، والأغراض الشخصية والحزبية، مع سوء الظن بعلماء الأمة وروادها، والجهل الذريع في الأحكام الشرعية.
وقال د. علي الشبل في حواره مع «الجزيرة» إنه لا يجوز نسبة التقصير في توجيه الشباب إلى علماء الشريعة، بل التقصير في مجمله من غيرهم، لأن أهل العلم باذلون للعلم كل على قدره، محملاً وسائل الإعلام القصور في نشر العلم الشرعي والدعوة إليه والتنبيه عليه.
كما تناول الحوار مع د. الشبل عددا من الموضوعات المتعلقة في أثر مناهج التعليم في مواجهة خطر الخوارج، وأثر العلم الشرعي في حصانة الشباب من الوقوع في مسالك الغلو والعنف.. وفيما يلي نص الحوار:
* ما هي الوجوه الشرعية الصحيحة لما يقع من تفجير وتدمير؟ وما أهم أسبابه وبواعثه؟
- إن النظرة الشرعية حول التفجيرات والقتل والتدمير التي وقعت في بلادنا أنها عمل شنيع ومن كبائر الذنوب، لأنه إفساد في الأرض بغير حق شرعي موجب له، فهو قتل للأنفس المعصومة بالإسلام أو بالعهد والذمة، وهو هتك للمال الحرام المعصوم، وهو إشاعة للخوف بغير حق، فهو عمل يصدق عليه وصف الحرابة، وهو مشمول بقوله تعالى من سورة المائدة: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }. وفي الوعيد والزجر والتهديد لقتل المؤمنين قوله تعالى في آية النساء: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}. وفي حرمة قتل غير المسلم من المعاهدين والمستأمنين في الصحيح من قوله عليه الصلاة و السلام: «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة». فالأمر جد خطير فعلاً وعقوبة.
وأهم أسباب هذه الحوادث:
1- ضعف العلم والبصيرة بدين الله وبأمره وشرعه الذي أوجب الاستهانة بمحارمه أو إنزال الأحكام الشرعية في غير محلها المناسب إما جهلاً أو تجاهلاً أو سوء فهم للشرع.
2- اتباع الهوى، والأغراض الشخصية أو الحزبية أو النفسية، وخدمة أعداء الإسلام.
3- سوء الظن بعلماء الأمة وروادها في الديانة، كذلك تهمة ولي أمر المسلمين الذي له في أعناق الناس بيعة شرعية معتبرة، لا يجوز نزعها أو الخروج عليها.
4- الجهل الذريع في الفرق بين عداوة الكفر والاعتداء على المعاهدين والمستأمنين.
* نسمع كثيراً أن العلماء لم يقوموا بالواجب، وأنهم مقصرون في البيان والنزول للشباب، ما قولك؟
- أهل العلم في بلدنا- ولله الحمد- لم يقصروا ولم يفتروا في بيان العلم لطلابه وبذله لراغبيه فهذه مجالس العلم معقودة في المساجد فضلاً عن المعاهد والجامعات، وتقرر فيها أنواع العلوم والفنون التي يحتاجها طلبة العلم من تفسير وتجويد وفقه وحديث ونحو وصرف، وأهم ذلك نضج هذه البلاد وعلمائها بالعقيدة السلفية تعلماً وتعليماً ودعوةً وجهاداً ونصحاً وإرشاداً. ولكن التقصير من وسائل الإعلام في إذاعات هذه المجالس ونشرها من جهة ومن جهة المتعلمين وعامة الشباب بل ومدّعي الثقافة من جهة أخرى في عدم سعيهم للتعلّم ولطلب العلم عزوفاً عنه، وانشغالاً بغيره من أنواع الثقافات الصحفية والقنوات الفضائية، والانترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، أو إعجاباً بأنفسهم بما أوتوا من ذكاء لا ذكاء فيه.
ومن هنا فلا يجوز نسبة التقصير إلى علماء الشريعة، بل التقصير في مجمله من غيرهم، لأن أهل العلم باذلون للعلم كلٌّ على قدره، وحسب جهده، وسعة طاقته. أما من الناحية الإعلامية فإن صوت العلم الشرعي الصحيح ضعيف ومن خلالها، والغالب على الإعلام القصور الواضح في نشر العلم والدعوة إليه والتنبيه عليه، بل اشتغل الإعلام بسفاسف الأمور، أو باستفزازات تنال من العقيدة والشريعة. ويجب في ذلك كله وجود الرقابة الشرعية والعلمية لما يطرح إعلامياً من ذوي الخبرة والتخصص المتميّز العلمي والشرعي.
* وكيف يكون العلم الشرعي حصانة للشباب من الوقوع في مسالك الغلو والعنف؟
- الإمام البخاري - رحمه الله - كان موفقاً وفقيهاً لما ترجم في صحيحه بابا حيث قال: (باب العلم من القول والعمل) وترجم عليه بدليله قوله تعالى من سورة محمد (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات). والعلم المراد هاهنا علم الشريعة الموروث عن الله في كلامه القرآن، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته أوضح البيان.
إن العلم لم يغب تماما عن الأمة، لكنها غفلتها عنه بقدر ونصب، ومن ذلك ما نال شبابها، بل ومتعلميها، حيث ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه في آخر الزمان يفشو القلم ، ويرفع ويقل العلم كما رواه بعض اهل السنن، وهذا بدأ يلحظ بوجه أو بآخر من خلال وجود التعليم المبني على رفع الأمية القراءة والكتابة، مع جهل ذريع بالعلم الشرعي ولا سيما ما فرضه عليها فرضاً كفائياً
ولذا أسباب كثيرة ومتعددة، أهمها الفروق عن العلم والتعلم، ومجالسة العلماء، والأخذ منهم والصدد عنهم، قبل أن يفقدوا بالموت، فإن ذهابهم ذهاب للعلم وفقد له كما صح في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله لا ينزع العلم انتزاعاً من صدور الناس، ولكنه يقبضه بقبض العلماء، فإذا ذهب العلماء واتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسألوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)
هذا والمضنون بشباب المسلمين، ولاسيما في أيام الفتن والمحن، أن يعتنوا بالعلم ويلازموا أهله ويصدروا عنهم، ويردوا أمورهم ومشاكلهم إليهم، فتنالهم العصمة بهذا العلم عن الوقوع في براثن الفتن والجهل، فأهل العلم أبعد الناس عن الفتن، وأعصمهم للناس عن الولوغ فيها. فكلما زاد العلم عظم الفقه وقلَ الجهل وآثاره.
* ماذا يجب علينا لحماية أنفسنا ومجتمعنا من الوقوع في مهاوي التكفير والاعتداء على المعصومين في دمائهم وأعراضهم؟
- يكون ذلك بتقوى الله وكمال خشيته ومخافته، وأن يكون الله عند قول كل أحد منا وعمله وقصده، والعناية بالعلم الشرعي والبصيرة بدين الله، لنسلم من مهاوي الجهل والهوى، والاجتماع والاتحاد تحت راية علماء المسلمين الراسخين، وتحت الولاية الشرعية المعتبرة في مراعاة السمع والطاعة بالمعروف، والحذر من الافتئات على أولي الأمر؛ وهم العلماء والسلطان.
كما إن علينا أن نهتم بتربية أبنائنا وأهلينا، وبصحبتهم ومن يجالسون، وأن نحذر أشد الحذر مما يقدح في دينهم من نظر أو استماع أو جلوس إلى حرام، تزكية لهم ووقاية لهم من أسباب سخط الله، والضرر بمجتمعاتهم، كما قال سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}.
* وما أثر مناهج التعليم في بلادنا في مواجهة خطر الخوارج وشبهاتهم؟
- خفي العلم على بعض الناس، حتى من بعض المتعلمين، فخفيت معاني المناهج الشرعية ذات الدلالة الكبيرة، فأضحينا نلمس عدم الفرق بين أقسام غير المسلمين من جهة العلاقة والمعاملة معهم، فلا يفرق بين الكافر الأصلي وبين الكافر المرتد، ثم في الكافر الأصلي بين: المحارب والمعاهد والمستأمن وكذلك الفرق بين الجهاد بنوعيه: جهاد الطلب وجهاد الدفع وبين قتال أهل البغي، وتكفير الناس المعصومين وقتلهم. إن اختلاط المفاهيم وتسمية الشيء بغير اسمه الشرعي من علامات الساعة، لأنه دلالة واضحة على الجهل الذريع بالشريعة الإسلامية، ودلالة على الهوى والإعجاب بالرأي، وتسويغ الباطل، ورد الحق.
ولو أن هؤلاء وأمثالهم تلقوا العلم الشرعي الصحيح عن أهله وردّوه على موارده المعتبرة، وتفقّهوا في دين الله لا لغيره، لكانت قلوبهم وعلومهم مدركة لهذه المعاني، ولكانت غير خافية عليهم، ولكن الواقع أن حال كثير من هؤلاء بين دواعي الهوى، ودواعي الجهل بأنواعه، فصاروا مطايا لتحقيق أهداف عدوّهم.