مؤلم فقد القريب، وموجع بُعد الحبيب، فكيف إذا فقدت حبيباً قريباً كان سندك بعد الله في هذه الحياة، كيف إذا فقدت من كان لك والداً بعد وفاة والدك رحمه الله.
تسمع الناس وتراهم وهم يتحدثون عن نقاء سريرته، وعن صفاء قلبه، عن طيبته، عن طهر روحه، عن دماثة خُلُقه.. فكيف لو عرفوه عن قرب.. كيف لو تعرفوا عليه أكثر وأكثر.
نعم فقدت خالي صالح حمد السلامة.. بل فقدت أبي وسندي في الحياة بعد الله.. فقدت الركن الشديد الذي كنت آوي إليه بعد الله.. فقدت القلب الطاهر الكبير.. فقدت الطيب الكريم.. فقدت صاحب الابتسامة التي كانت تملأ الحياة بهجةً ونوراً.
كابد الألم وعانى الوجع في قلب كان يحمل الحب والعطاء للجميع، كان يكتم ألمه ووجعه حتى لا يؤذي شعور أهله ومحبيه، وعندما خرج من المستشفى بعد مكثه فيها لأيام معدودة عاد ينثر الفرح في قلوب أهله وأحبابه.
كنت أؤمل نفسي بزيارته بعد صلاة العشاء ليوم الخميس الماضي ففوجئت باتصال من شريكة عمري أن والدنا نقل للمستشفى، ولما ذهبت هناك رأيت القلق والخوف في نفوس خالتي وأولادها، كنا نصبر بعضاً ونؤمل أنفسنا بأنها أزمة ستزول بإذن الله، خرج الطبيب من غرفة الإنعاش وكنت أول من استقبله وكلي أمل ورجاء، كانت نظرات الطبيب تنم عما سيقوله لكني كنت أرغب في تجاهلها، ليقول بنبرة حزينة تملؤها الأسى «الدوام لله».. أكاد لا أصدق.. {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، وقفت في حيرة وذهول، ربط الله على قلوبنا وأخذنا نصبر بعضاً.
مؤلم جداً أن تحاول أن تصبّر وتذكَّر.. وأنت بحاجة لمن يصبّرك، أقسى لحظات الألم أن يكون قلبك ينزف وجعاً ولا تستطيع أن تخرج ما في قلبك لأن دورك هو تسلية غيرك بمصابهم، موجع أن يبكي القلب وتتحجر الدموع فلا تستطيع حتى إخراجها.
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. تتسارع الأحداث، فخالي ووالدي الذي كان بيننا يملأ أسماعنا وأبصارنا ونأنس بوجوده هانحن نصلي عليه ثم نحمله إلى قبره.. هانحن نواريه التراب، لا إله إلا الله.. عندما تدفن حبيبك وترى القبر بعد أن تم الدفن تدرك حينها أنك لن تراه في الدنيا.. وأجزم أن دموعك ستتساقط رغماً عنك.. فهذا القبر شاهد على الموت الذي كنت دائماً تستبعد لحظاته.. ونسأل الله أن يجمعنا بوالدينا وأهلينا وأحبابنا في الفردوس الأعلى.
حقيقةً مهما كتبت فلن أوفي خالي ووالدي جزءاً من حقه.. لكن عندما رأيت أعداد المصلين الذين جاءوا للصلاة عليه.. وتوافد الجميع من أهل وأصدقاء وزملاء ومحبين وجيران لتعزيتنا في مصابنا فيه.. ورأيت وسمعت ما يذكرون من مناقبه وحبه للآخرين ومساعدته الدائمة لكل من عرف ومن لم يعرف صغيراً كان أم كبيراً رجلاً كان أم امرأة.. ومنهم من يروي لنا أحداث عنه في البذل والعطاء لم يكن يظهرها لأقرب الناس له.. أدركت أننا لم نفقده نحن أهله فحسب بل إن المصاب الجلل في فقده طال جميع من عرفه من زميل وصديق ومحب وجار.
اسأل الله العظيم بمنه وجوده وكرمه أن يجعل قبره ضياءً وفسحةً وسروراً.. وأن يجعله أولى منازله في الفردوس الأعلى.. وأن يجعل عمله مستمراً بوجود أولاده وصدقاته الجارية.. وأن يجمعنا ووالدينا وأزواجنا وذرياتنا في الدنيا على طاعته وفي الفردوس الأعلى في جنته.
عميد / سليمان بن صالح السليمان - مساعد مدير جوازات منطقة القصيم لشؤون العمليات