شعراء طق لي وأرقص لك!! قراءة ثانية لمقالة د. سامي العجلان - النقد حين يتوضأ! ">
السامي في نقده لشعراء تويتر تجرأ على مهل ثم وثب على عجل.. وهو بين البين على حذرين.. فلا إلى هؤلاء دنا ولا عن هؤلاء نأى.. ولسان حاله: عسانا من إلماحنا سالمين.. ومن نقدنا متعافين...!
هذا التردد في الحديث عن شعراء تويتر لم يعترك وحدك ولم يمسسك سوؤه بمفردك فثمّ غيرك في فمه قنبلة...راودني الصدع بالنقد غير مرة - وأليم أن يؤول النقد إلى توجس- لكن خشيت كآبة الصدى دون مرعى.. وارتاب قلبي المطمئن بالقلق اتقاء سوء ظن يأتلق..فركنت إلى الصمت وآثرت السكون في ضجيج الحركة ولذت بوحا خفيًا بين أدواح تُصغي لمجامع الوجع.. وكأن النقد لدغ للآخر لا إقامة (لحي على النقد).. ومأزق حين يُحال النقد إلى انتقاص وانتفاضة عوجاء لاسعيا لكنف الكمال بين حياد مستبد لا يصنع رأيا وبين فوضوية تجر البلوي بين رعاع التطبيل والتضليل!!
برأيك من حمل لواء شعراء تويتر إلى الفوضى والبلوى؟ الطائر الغرد الذي يحمل على جناحيه الحِلم أم الحُلم؟ أم المتلقي الذي استبدل الذي هو أدنى بالذي هو أعلى؟ أم وجوه النقاد المطفأة بالصمت؟ أم أن نقاد تويتر كشعرائها يتقاسمون فيما بينهم النحنحة والبحة؟ أم أن الشجاعة النقدية عزيزة وثمنها باهظ؟ سؤالات تتداعى وصوت يتوارى خلف صمت يتبارى وكأن النقد صلاة الخوف -مع الفارق- أمام جمهور لم يتحسس بعد جوهر الأشياء ورضي بالظاهر دون الباطن.. والمُنى أن يتبرأ الذين اتُّبعوا من الذين اتَّبعوا فالحق أحق أن يتبع!
أكان الشعر صرحا من (جلال) فهوى/ فنأى ؟ أكان النقد ما أريكم إلا ما أرى ؟ لِمَ عدلت أيها (السامي) عن التصريح بالإلماح كيلا تجرح أم لتضمد النزف من بعيد دون المساس بالقريب ؟! أتراك أنصفت (الكلباني) حين أيدته شكلا ومضمونا في حين صدفت عن ذكر غيره اسما ونصا ؟وكنت قد انتهجت مناقشة الظاهرة بعيدا عن الأسماء والنصوص..أي ضيزى نقدية هذه.. لا أدري لم نحن في النقد نرتكب بعض جرائم المزاجية المستورة العورة !! أكان نقدك على الطريقة المحمدية (ما بال أقوام) ؟! فهمتك ولم أفهمك..واحترمت أشرعة القلق التي تُوجه السفن!!
حتى النقد بالتعريض – وإن كان يشفي غليل العرب ويحافظ على صحة الناقد لا النقد- لا يقبل الوسطية المضطربة في نقد الظاهرة ولا التخفي مخافة أن يُساء تصريحنا..أكان نقدك نقد ظاهرة أم نقد فقيه محترس وأنت تختلس الحواس ؟ وهل نحن إزاء شعراء أم نظّام أم نثّار شعر أم هرطقة عجلى بالوزن تشبه هَبَنَّقة ؟
هل نحن نتحدث عن شعراء تويتر أم مشافيح الأدب ؟! أكان الشعر هو الآخر يتوشح بشتا ويتقلد مناصب !! أيها السامي أأنت أشعلت براجم النقد فيّ بعد أن خبت؟ أكان مقالك وقودًا لنفثة مقبورأم انفراج لصخور دكها تتابع الماء؟ أم هي زلزلة الحق التي ألقت ما فيها وخشيت الذي أمامها ولم تدرك ما خلفها فتزحزحت المساحات وما بين وجعيها تعددت السؤالات وكهلت الاستفهامات؟!
حتى ضمير النقد قد يجتزأ من سياقه ولو حرصت على حذر.. فأنت أمام متلق سيد قومه في التغابي والتجاهل.. وحسيس الرائحة ستؤول إلى كبيرهم الذي علمهم النظم وانكسار الغيم وارتجال السقم من القول !!
ونحن- بلا شك- حين نتناوش الظاهرة ننتقد النصوص لا الأشخاص -ونتحدث عن بعض لاكل-.. وقد يكون من يمارس الظاهرة شاعرا في ديوانه مبتذلا في تويترأوشاعرا في غير تويتر.. ومهملا فيه..وتويتر في النهاية يسّر الشعر وعسّره..ويمنّه وشمّله.. وأماته ولم يقبره.. وأحياه ولم ينشره إلا لمما وشعورا مشوها وسبيلا معوجا..قليلا وهاجا !!
ويبقى الشعرهمّا وحبّا ..ويبقى الشعر حُمّى وحِمى.. ويبقى الشعر اتقاء واقتداء..وأسوة تسر وتسوء..وابتداء لا ينتهي وخاتمة لا تجيء.. وعلامة فارقة بلا شيء وبشيء.. وفاقعة بلون وبلوم.. وفارغة بالامتلاء والفراغ في كل الثقافات.. ويبقى النقد ساميا إذا مارس قوامته على النص المعطى وفقا لأسس نقدية موضوعية في شرع النقد المبين وضوحا لا طلاسم!
وأخشى أن يتحول شعر تويتر إلى قطيع يتبع الصرح ولا يسمع صراخ النقد الهادئ وأصم أبكم لأنساقه الثقافية المغلولة لا الغالبة! والشعر في النهايات الحتمية له.. هُوية لا هَاوية.. بحث غراب لا عبث سفهاء.. سلاف روح لا لغو أروح !!
• المعادلة المركبة:
ليس كل موزون شعرا.. الوزن ليس كل الشعر..- وأتساءل مثلك- أتحتاج هذه المعادلة النفسية النفيسة إلى سبر أغوار الذائقة والفهم للمنتج والمتلقي لكونهما شركاء من أطراف شتى.. فالشعر نَفَس نَفْس قبل أن يكون جسدا خُوارا يتلى ومادة نشكلها بهيئة الطين شعورا متباينا.. فالشعر ليس بمعزل عن النفس.. وبعد هذا التعقيد المركب لطبيعة النفس أولا ثم للشعر ثانيا ..فقد يجيء النظم أجود من الشعر الذي ارتجعه الشاعر ويحمل قيمة وهو عندي أخف الضررين وأجمل الذميمين !! فالنص الأدبي إبداع حسن لا ابتداع سوء.. والشعر ارتكاب مفاجعات ومفاجآت يستلذ لها المتلقي لا إدراك توقعات مسبقة الدفع ..!
• ما يطلبه المتوترون !
في بعض الفضاءات الافتراضية وحتى الواقعية لا تسمى الأشياء بأسمائها.. ومنها: الشعر في تويتر فهو في بعضه يسمى شعرا جورا وأسميه شعرا منثورا إنصافا.. له من الشعرية الوزن المغلوب على أمره.. وفيه من معان النثر المنثورة في الطريق يتلقطها البدوي الجاهلي قبل المثقف الذي أدرك السابق درسا واطلاعا وتفيأ اللاحق حيرة ودهشة وأسئلة.
الشعر في تويتر شطر يواري وآخر يعري.. وبيت أبوابه مشرعة فوضى لا كرما ومفتاحه مستنسخ.. ويكثر فيه شعراء طق لي أرقص لك..فإما الطق والرقص معا وإلا فكل من الشاعر والجمهور سيكون هجره هجاء لا هجرا جميلا .. فبعضهم لديه مليون متابع يزيد أو ينقص..فقل لي بربك مَن يرضي ومن يغضب ومن يُداري ومَن يتلعب مع مَن ولأجل مَن !!
أليس تويتر بيئة تمثل صورة الأدب؟ وكيف يمثله أمام هذا الزخم من المتابعين الذين يصفقون بلا وعي وينتجون لنا بتصفيقهم عاهات شعرية لا دواوين.. أكانت العرب تحتفل بشاعر ينبغ أم بشويعر يملغ !!
أصار الوزن لغما للشعر.. وهمْا وهَمّا.. الشعر هُوية ثقافية عالمية لا أدبية محلية وهو ليس كل الأدب.. ذلك أن الأدب عصي على التأطير..وتلك جبلته.. والشعر بهذا المعطى السابق لا يُخلص لوظائفه المنوطة به بل يشكل عالة على الثقافة جمعاء !!
• «الشعر هو الذي ينسيك شكله»:
«الشعر هو الذي ينسيك شكله» ( كما يقول أستاذي د.عبدالله الوشمي) وهو هنا لا يلغي الوزن لكونه شكلا بل يلح على ولوج أعمق في تحسس بواطن الشعر لا ظواهره.. فالشعر ليس عروضا كله..فطبيعة الشعر عصية على الفهم الصحيح فكيف بالسقيم .. علاوة على إدراك كنه ما هيته الغامضة.. فكيف يعرف المبهم ويفسر.. فكل الذين عرّفوا الشعر لم يعرّفوه بعد .. حتى إن عقلاء النقاد أعياهم فكيف بمجانينهم ..كل الأحاسيس لا تحيط به وصفا ولا رسما.. ويتعب من يحاول تعريفه فكيف بمن يجتهد .. أكان الشعر اشتراك حواس لا تشابك أوزان.. صوت أرواح لا كساح أوزان ولغة !!
• قلق الشعر أم التلقي !
لا بد من زلزلة نقدية للشعر لإخراج أجوده وتجويد مجودة.. فالشعر لا يحتاج- غالبا- لنقاد فهو يبصر نفسه لكن لدينا قلق في التلقي لا أزمة شعر.. لأن المتلقي لو تبرأ وصدف عن هذا الهراء (المسمى شعرا ظلما) لاندثر شعراء تويتر..وانطوى ذكرهم واحدًا واحدًا..
في التويتر:
الشعر صعب ويسير سلمه!!
الشعر يُسرٌ ويسيرٌ سلمه!!
والذي يسره المتلقي !!!
لا يوجد في الشعر خياران ولا خيارات لا (ورق تقويم ولا غابات روح عذراء) ولا أعرف سرًا لـ(عذراء) هذه أهي أنثى الشاعر أم ذاته النرجسية وربما لا هذا ولا ذاك.. لكنه لفظ دال وظف بذكاء نقدي!!
أكان الشعر سجيل روح لا تسجيل يُفرغ بحتف ما يطلبه الجمهور.. أكان الشعر سلسبيل روح لا(سبيل) سقاية للمترفين بلا وعي!
• الشعر بين اتهامين: الوهم والهم:
ربما يكون التناقض وعيا آخر لمن خبر التفاعل في التويتر من البسطاء والعظماء..ففرق بين التفاعل المباشر لنص ما من قبل جمهور ما على فضاء ما يتقاسمه الكل والبعض وبين تفاعل متأخر!! ولا شك أن تويتر سوّق إلكترونيا للشعر الذي يرضى عنه الجمهور لا النقاد.. فأهل الشعرأدرى بمضايقه كما أدرى تويتر بمخارجه!!
في تويتر الشعر يدار من الجمهور خفقا وإخفاقا.. وارتويت الجمه-غالبا-ورتويت لصاحب النص لا للنص.. فثم من يفضّل ما لا يعقل ! ويدور لأشياء ليست سواء!وهنا المأزق والمآزق كثر.. وزيادة أعداد المتابعين لا تعني الجودة فبعض الجودة (كبوة) فالمتلقي التويتري هو الذي يوجه قبلة النص (الوهم) إلى الجمهور (الهم)!
• سجود الرافعة.. وصعود الوعي إلى الأسفل:
تذكرت من أساء قراءة (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ) بـ(من تحتهم).. وتذكرت السائل الذي سأل عن معنى (الكموج) في بيت امرىء القيس!! إجمالا بعد تفصيل مقتضب:صورة الرافعه أرهقها الشعراء صعودا (بحسن التعليل).. ولعل البلاغيين سهوا فنطقوا ( الحاء عينا ) تماما كما سهوا حين نطقوا (الضاد عينا)- كما أشار السامي-.هذه الحادثة أضحكت البلاغة علينا فشتان بين البلاغة والبلاهة !!
من لي (بنص) إذا (عاينته) نصلا؟
...
مالي أقلّبُ طرفي .. لا أرى (شعرا) ؟!
أرى الجماهيرَ.. لكن لا أرى (... ) !!
كان القصيبي يخاطب (الشيب) لا (النص) و(يعاتب) لا (يعاين).. والجامع بين الأمرين ليس سؤال إلى أين تصير الأمور؟ بل إلى الوجع الذي يفضي للوجع !!
والحق أن نقد (الكلباني) لا عطر بعد عروس! كفى النقاد كلهم بموضوعيته الساخرة وعنّف بلطف!
الرافعة أكدت أن بعض شعراء تويتر ما هُم إلا أراجيح للجمهور وفاتهم أن الشعر ليس ما يطلبه الجمهور المبتلى بل ما يصعد بالشاعر إلى الحسنى !فالشعر إدهاش لا إدهاس و إفلاس!!
..
رؤيا ربما تتحقق بحسب تأويل ما نأمل: عسى أن يكون شعر شعراء تويتر في قابل الأيام العلقم الشهد!!
منتهى:
أيها الشعر، ألقيتُ عليك محبتي فاطمئن ولا تبتئس!!
أيها الناقد اترك الشعر رهوا.. أو اقذفه في اليم ولا تخش فثمّ من يكفله!!
- تهاني العيدي