- بلغته الساحرة، وإطلالته بصدر صحيفتنا العربية المدهشة، (الجزيرة) القشيبة، تحدث الأستاذ خالد المالك - رئيس التحرير - عن «أميركا التي كانت.. وأميركا التي ستكون» متسائلاً - بخيبة أمل واضحة - عن التهاون الأميركي تجاه حلفائها في المنطقة العربية والشرق الأوسط، ومنها تركيا التي وصلت إلى مستوى متردٍ من السوء في علاقاتها مع جمهورية روسيا الاتحادية، وما يقابلها من تطورات خطيرة على الحدود السورية التركية، واعتبارها «بداية لمعركة غير محسوب ومقدر ما سيتولد عنها من كوارث؟».
- ولمن لا يعرف أميركا، فهي تلك التي لا تترك أثراً طيباً لحلفائها، تأخذها المصلحة إلى أبعد مدى، وترفس من يقاطع منفعتها، وإن كان حليفاً تاريخياً، فلا يجوز أن نأمن مكرها، وبطشها، وننساق وراء معلوماتها التي ترصدها تكنولوجيتها الفائقة، ودهشتها الخبيثة!، إنها إن أرادت فعلت، وإن قالت تنصلت، وميعت، وأضاعت، فلا تقيم حقاً إلا كان لها منه نصيب ومطمع، ومن كل تلك الأوصاف يجرحني سباق القلق العالمي عن مآل العالم المتخم بالأسلحة القادرة على إبادة كوكب الأرض مئة مرة.
- في ظل هذا الصراع العالمي على خارطة جديدة يصوغها مكر اللاعبين الرئيسيين في أميركا، تقف «روسيا» كقوة حقيقية ومتهورة على جغرافيا الشرق الأوسط، تمنع ما تريد من الفواصل المشتهاة في شرق «كونداليزا رايس» الأوسط الجديد، فيما تظل أميركا صامتة ومُعبرة عن القلق الذي لا يتجاوز طاولة المكتب البيضاوي للرئيس الأميركي الرخو.
- ولأن كل شيء في هذه الأجواء الغامضة يحتاج للحزم، والجدية، الانتباه والحصافة أكثر من الكسل والحمق، فهناك أبواب كثيرة يمكنها أن تُفتح على مصراعيها، وعلى قاعدة المصالح العامة تستطيع العلاقات الروسية - السعودية التي احتفلنا قبل أيام بعيد ميلادها التسعين!، أن تبلغ أُفقاً راسخاً من التعاون الاستراتيجي العميق، وما كان من رد ومباحثات للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين بتلك المناسبة إلا أحد الأبواب الكبيرة التي ينبغي أن يدخل منها العقال العربي الأصيل إلى عمق الإدارة الروسية.
- إنه عهد الدول الكبيرة التي يجب أن تقف في وجه مفردات النظام العالمي الجديد القائم على إعادة تدوين ملامح الشعوب والجغرافيات لمئة عام مقبلة، والسعودية أثبتت أنها مع حلفائها وأشقائها العرب ترصد وتترصد لكل هذه الملامح الخطيرة في مقدسات البلدان والأوطان المناوئة لمطامع إعادة التخطيط الجارحة بالدم والمال.
- يجب أن تتفوق القوة الشرقية، ككتلة ضخمة في مواجهة التراخي الغربي، والتكلس العضوي في إداراتها ومخططاتها الغارقة في التبشيرية اللاهوتية، وروسيا إحدى الجمهوريات العملاقة التي تتقدم سريعاً إلى الصفوف العالمية الأولى، وهي اليوم ترى أن اللاعب الوحيد بمنطقة الشرق الأوسط «إيران»، بينما يأخذنا تردد غير مفهوم حيالها، وما ينبغي الآن أن لا نتركها لإيران.
- كان الاتحاد السوفيتي أول دولة غير عربية اعترفت بالمملكة العربية السعودية واقام معها علاقات دبلوماسية في فبراير/ شباط عام 1926. وفي 17 سبتمبر/ أيلول عام 1990 صدر بيان مشترك يعلن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وروسيا الاتحادية على أسس ومبادئ ثابتة، وبمناسبة التسعين عاماً يجدر بجميع الدول العربية التي تقودهم السعودية أن يؤسسوا لعلاقة أوسع مع الشرق الأدنى والأعلى بما فيه الصين وكوريا واليابان والهند، وروسيا أيضاً.
- الأميركيون لا يفكرون في حلفائهم، وقد حان الوقت أن نفكر في أنفسنا ومصالحنا كعرب، وقبل عامين كانت الذكرى المئوية لأول حرب عالمية صاغت مفاهيم النظام الدولي التعددي والمصالح المتقاطعة، وما هو معول اليوم على السعودية كدولة عملاقة ووسطية بين الشرق والغرب أن تعلن عن نفسها كقوة وسطى، تحمل هم الأمة التي تُمثلها وتعبر عنها بكونها أمة لا تريد حرباً جديدة قد تُنهي كل شيء يتحرك في هذا الكوكب الساخن.
- إيران نظام ميليشيا، لا تحترم الدول، وتمد أذرعها الشيطانية من النافذة عبر الأقليات، تقصد الفتنة، ولا تزرع القيم، أما روسيا فدولة قوية ومتفوقة، يستطيع العرب أن يستثمروها لصالحهم، وألّا يفقدوها مجاناً مرة أخرى لأجل أهواء أميركية ترى فيهم مجرد خزان ممتلئ من المنفعة الطافحة، لا تتركوا الملعب لإيران، فالقوة القادمة تأتي من الشرق.. إنه مسار التاريخ. وإلى لقاء يتجدد.
سام الغـُباري - كاتب وصحفي يمني، مدير عام الإدارة العامة للإعلام بجامعة ذمار