خالد بن حمد المالك
نتفهَّم جيداً الاتفاق العالمي على وضع تنظيمي داعش والنصرة كمنظمتين إرهابيتين، ونعتبرهما كذلك في أي مشروع أو جهد يبذل لمقاومة الإرهاب، ونزيد أيضاً بأنّ المملكة من بين من نبّه مبكراً إلى حقيقة هاتين المنظمتين، وأنه نالها ما نالها من الإرهاب ولا يزال بفعل موقفها من هذين التنظيمين، ما لا تجهله دول ومؤسسات العالم، وبخاصة عن حجم مشاركتنا في محاربة الإرهاب وتنظيماته، وتعاوننا بلا حدود مع دول العالم للقضاء على داعش والنصرة والمنظمات الإرهابية الأخرى.
***
غير أننا نستغرب هذا الفرز الغريب والمتحيز في تحديد هوية المنظمات الإرهابية التي تقاتل في سوريا، فبينما يحدد بالاسم وبكل الوضوح هاتين المنظمتين -داعش والنصرة- وهذا شيء مطلوب ومقبول وجميل، فإنه لا يشار أبداً إلى حزب الله الذي سبق أن صُنِّف عالمياً على أنه منظمة إرهابية حين كانت علاقة هذا الحزب بإسرائيل يشوبها شيء من التباين في وجهات النظر، لا كما هي عليه الآن مع إسرائيل من تفاهم وتوافق، حيث تم تجاهل دوره كحزب إرهابي يقاتل في سوريا.
***
وما يسمى حزب الله بدأ المشاركة في القتال في سوريا منذ الشهور الأولى على بدء الثورة الشعبية على نظام الأسد دون أي اعتراض على مساندة هذا الحزب اللئيم لنظام الأسد ضد المواطنين السوريين، وتاريخ هذا الحزب ملطخ قبل ذلك بدماء الأبرياء في لبنان والعراق واليمن والبحرين وغيرها، ولعل ضلوعه في مقتل رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري، وإدانته في ذلك من المحكمة الدولية، والطلب من أمينه عميل إيران حسن نصر الله تسليم المتهمين الذين ينتمون للحزب دون أن يستجيب لهذا الطلب أو يذعن له كافٍ لجعل هذه المنظمة المارقة في عداد الجماعات الإرهابية التي يجب محاربتها كما محاربة تنظيمي داعش والنصرة.
***
وإذا كانت روسيا هي صاحبة اليد الطولى في تصنيف الجماعات الإرهابية التي تقاتل في سوريا، فإنها مع هذا التصنيف غير صادقة ولا أمينة، فهي من جهة لا ترى في حزب الله منظمة إرهابية، وهي من جهة أخرى داعمة لمن تقول عنهم إنهم إرهابيون سواء داعش أو النصرة، وقد دخلت على الخط السوري، وأرسلت بقواتها الضاربة إلى هناك، بحجة قتال داعش والنصرة والإرهاب، بينما الواضح والحقيقي المعروف لدى كل دول العالم أنها تقاتل المعارضة المعتدلة لنظام بشار الأسد، ضمن دعمها لاستمرار هذا النظام الفاشي الظالم ليبقى ممسكاً بمقدرات سوريا والسوريين.
***
الأخطر من ذلك، كيف نثق بروسيا ودورها في الالتزام بوقف القتال المؤقت في سوريا، ولاحقاً بالمشاركة في إيجاد حل سياسي تقبل به المعارضة المعتدلة للخروج بسوريا من هذا النفق المظلم، وروسيا في كل ما يتحدث به رئيسها ووزير خارجيتها لا تجد حرجاً من الإعلان عن تمسكها ببقاء الأسد رئيساً لسوريا، وتحارب بقواتها الضاربة في سبيل تحقيق هذا الهدف، فيما تقف الولايات المتحدة الأمريكية موقف المتفرج والعاجز والمتردد عن ممارسة دورها كقوة أولى في العالم للحيلولة دون تفصيل الحل السياسي بمقاس استمرار بشار الأسد رئيساً لسوريا.
***
والأخطر أيضاً، أنّ صمت آلة الحرب لن يكون ممكناً طالما أن الاتفاق بين أمريكا وروسيا، يسمح بقتال داعش والنصرة، ومقابل ذلك بعدم المساس بالتنظيم الإرهابي المسمى حزب الله أثناء الهدنة، واقتصار واستمرار إطلاق النار على المجموعات الإرهابية الأخرى داعش والنصرة دون حزب الله، وهي ثغرة سوف تستغلها روسيا في قتال المعارضة المعتدلة لنظام بشار، مثلما فعلت عندما دخلت كأكبر اللاعبين في الحرب السورية بحجة قتال داعش والنصرة، وتبيّن فيما بعد أنها تقاتل معارضي النظام المعتدلين، باعتبار أن داعش والنصرة ليستا من بين التنظيمات الإرهابية بحسب المفهوم الروسي وإن أظهر الروس غير ذلك لوسائل الإعلام لذر الرماد في العيون، ربما لأن داعش تحديداً صنيعة الغرب وروسيا وإيران ونظام بشار معاً.
***
ما نريد قوله، إنّ التفاؤل بصمود وقف إطلاق النار في سوريا سيظل في مرحلة الاختبار المشكوك بجدواه، غير أنّ الحل لهذا الوضع الدموي الخطير في سوريا، وإنّ كان محصوراً -كخيار أول- بحل سياسي يقبله الشعب السوري الشقيق، إلاّ أنّ هذا التوجُّه أو الحل لا يبدو مقبولاً من روسيا ولا من نظام الأسد وإيران، إلاّ بالشروط المذلّة للشعب السوري الشقيق وباستمرار نظام بشار حاكماً بأمره في سوريا، ما يعني أنّ جولات قادمة وموسعة من إطلاق النار ستستمر، إلى أن نرى سوريا قد تكاملت كأرض محروقة، وأن من نجا من مواطنيها سيكون شريداً وهائماً يطرق أبواب دول العالم بحثاً عن ملجأ يأوي إليه.
***
على أن الهدنة التي بدأت في سوريا مع شيء من الحذر، هي محاولة أخيرة ينبغي أن تفضي إلى لقاءات وحوارات بين الأطراف المعنية لإنهاء هذا الاحتراب الدموي بين الشعب السوري والنظام المتسلِّط، غير أن هذا يعتمد (أولاً) على التزام نظام بشار بالتوقف عن قتل المواطنين ببراميله المتفجرة، وهذا يعني (ثانياً) أن على روسيا أن تظهر مصداقيتها باقتصار قتالها على تنظيمي داعش والنصرة بالفعل لا بالقول، وأن تتوقف عن دعم النظام ضد إرادة ومطالب الموطنين، وهذا يعني (ثالثاً) أن أمريكا المترددة وموقفها المشوب بالغموض ستحتفظ بدور لها يتسم بالجدية والعدل في هذه الحرب المجنونة، وهذا يعني (أخيراً) أن ما يسمى حزب الله سيعامل كتنظيم إرهابي شأنه شأن داعش والنصرة.