د. صالح بكر الطيار
كتبت قبل أيام مقالا سردت فيه أن السعودية تمثل أنموذجا مثاليا يحتذى به في إغاثة الإنسان لكل الدول وكانت وستظل سباقة لمساعدة الشعوب ضمن منهجية إسلامية تعتمد على إغاثة الملهوف ومساندة الشعوب في المحن التي تتعرض لها وكانت السعودية وعلى مر سنوات من أكبر الدول الداعمة للبنان في ظل المحن العديدة التي أحاطت بالدولة إحاطة السوار بالمعصم في ظل حروب وفتن وقلاقل وأحزاب ظلت تطحن في لبنان عقودا من الزمان وكانت إغاثة دائمة متواصلة في ظل وجود السعودية كرقم عربي أول في مساعدة الدول المنكوبة أو تلك التي تمر بمحن.
جاء القرار السعودي بعد مراجعة شاملة ودقيقة بعد أن قام حزب الله اللبناني المارق بمواقف سلبية مع السعودية والتي تتعارض مع العلاقات بين البلدين وما حصل في مجلس جامعة الدول العربية وفي منظمة التعاون الإسلامي من عدم إدانة الاعتداءات السافرة على سفارة المملكة في طهران والقنصلية العامة في مشهد».
وأكدت السعودية في قرارها أن ما تم حيال السعودية يتنافى مع القوانين الدولية والأعراف الدبلوماسية» في ظل تنديد العالم أجمع بما قامت به إيران وما لمسته السعودية من مواقف منافية لما تقوم به.
السعودية كانت الواجهة الأولى في دعم الشعوب العربية ومصائرها ومواجهتها للفتن ولكنها في الوقت ذاته لن تسمح لكائن من كان بالإساءة لها أو توجيه الاتهامات إليها وهي الحريصة والتي لا ترد على المواقف إلا بلغة الفعل قبل القول.
القرار السعودي كان إستراتيجيا وفي مكانة ووفق سياسة خارجية متزنة تتوازن مع الوقوف بالدعم ومع اتخاذ الإجراءات الكفيلة لحماية اسم المملكة ولجم أي اعتداء عليها من أي جهة سواء كان بلغة الخطابات أم بالفتن والتخطيط الخفي كما فعلت مع إيران من قبل في قطع العلاقات بعد أن طفح الكيل من الممارسات الإيرانية نحو المملكة وإشعالها للفتنة.
ولو سلطنا الضوء على عقود مضت فإن لبنان كانت تحظى بدعم سعودي في مختلف أزماتها السياسية والشعبية وأسهم الدعم على مر تلك العقود في حفظ الأمن اللبناني وفي مستقبل الشعب اللبناني الذي يدين للسعودية وقادتها بهذا الفضل الذي انعكس على الأمن والأمان في لبنان رغم الممارسات التي كان يمارسها حزب الله في خطاباته بالعداء نحو المملكة ولكن السياسة السعودية قطع الدعم في هذا التوقيت بعد أن نفذ الصبر على تلك الممارسات مما يعكس الحكمة في اتخاذه والتعامل مع الأحداث بروية ورؤية سياسية ترتكز على بعد النظر وعلى الموقف العادل والموحد ضد كل القضايا ونحو أي فتنة أو اعتداء.
وشاهدنا كيف انعكس القرار على كلمات المسؤولين اللبنانين الذي ركزت لغتهم على إعطاء الموقف تفصيلاته الواضحة من التأييد ومن الخجل المختلط بالاعتذار إزاء ما فعله حسن نصر الله وحزبه من تعامل يتنافى مع القوانين الدولية ويؤكد بشكل مستمر أن هذا الحزب هو الورم الذي يستشري في جسد لبنان ليعطل مصالحه ويوقف مسيرة الشعب والدولة.
قدمت السعودية درسا سياسيا في التعامل مع نكران الجميل وللسعودية تاريخ كبير في تقديم وإخراج الدروس السياسية في مسألة الدعم. .حيث سجلت عدة دول في مواقف سابقة ضد السعودية من خلال تعاملهم مع ما تمر به السعودية من فتن خارجية إضافة إلى فتن قام بها سياسيون في سنوات سابقة ضد المملكة وكانت دولهم تنعم بإمدادات المملكة في كل الجوانب الإغاثية والإنسانية فتعاملت السعودية معهم إزاء مواقفهم بكل حزم ووفق سياسة منفردة تعتمد على تقديم العون وفق العلاقات التي تجمع البلدين في كل المستويات ولكنها لم تسمح بالتمادي على أي حق لها أو التعدي عليها بأي شكل من أشكال التعدي سواء كانت تعديات صريحة أو ضمنية من خلال إثارة الفتن أو تأجيجها بطرق مختلفة.
الدرس السعودي الذي قدمته السعودية سيعطي إيحاءات واضحة وإشارات مباشرة لكل التيارات السياسية أو القادة أو أرباب الفتن في أي دولة تحظى بدعم المملكة أن الموقف سيكون موحدا. فالسعودية لن تستثني أحدا، فسياستها واحدة وواضحة المعالم ولها أساسها وأسسها ومنهجيتها التي لن تحيد عنها ومواقفها تشهد بها الشعوب التي تنعم بخيرات القيادة السعودية في قرى وهجر تلك الدولة.
القيادة السعودية تتحلى بالصبر المختلط بالحكمة والدراية وبعد النظر حيال مواقفها في سياستها الخارجية وهي ما أفرزت التعامل مع لبنان في إصدار قرارها في وقف المساعدات وهو القرار الذي جمع الحزم في توظيف القرار وفق المواقف المتكررة إزاء ما واجهته المملكة وما وجدته من مواقف موحدة من الدول الشقيقة والعربية التي استهجنت ما واجهته السعودية من فتن خارجية ومن أعمال إرهابية.
وبنظرة نحو الدرس السعودي فإن ثمة إيجابيات تتمثل في إيصال الرسالة إلى دول أخرى سواء تلك التي تتلقى الدعم أو غيرها وكان قطع العلاقات مع إيران قبل أشهر قرار شبيه في المضمون مختلف في التفاصيل وجاء بعد حكمة وروية حاولت احتواء المواقف السفيهة والفارغة والسلبية من إيران وحزب الله واختفائهم وراء الفتن وإثارتها والهروب إلى استديوهات بث الخطابات الهلامية الواهية التي كانت السعودية وستظل لها بالمرصاد بلغة المنهج الإسلامي والسياسة المعتدلة والموقف الموحد في مثل هذه المواقف.