د. جاسر الحربش
في مقال الأربعاء قبل أسبوعين نصحت المرأة التي تريد الحصول على التقدير الذي تستحقه أن تحتفظ بهيبة جمالها الطبيعي وتتخلص من علب المساحيق وزجاجات العطور. الخطاب لا يشمل من لا تريد الحصول على ذلك وهمها الأول نظرات الإعجاب مع الحصول على شيء من التحرش عند بعد. المقال كان محاولة لإغلاق الأبواب والشبابيك في وجه من يريد استمرار الحجر على المرأة بالتعميم، متذرعا ً بوجود بضع تفاحات فاسدة في الصندوق للاستدلال على فساد التفاح كله.
للأسف يبدو من التعليقات على المقال أن الهدف منه لم يصل. البعض اعتبره استمرارا ً لجلد الذات الأنثوية بطريقة مؤسفة عندما تصدر من كاتب يفترض أنه متنور، أو أن المقال كان نوعا ً آخر من الوصاية على المرأة حتى في خصوصيات الملابس والحركة والكلام. البعض كان ساديا ً وطالب بالمزيد من الجلد لأنه فهم الموضوع كنوع من التهجم الذي يدغدغ عدوانيته المتحفزة ضد حقوق المرأة. قلت، وكان ذلك من باب الاستنكار لوضع حقوقي خاطئ، إننا مهجوسون بالمرأة لدرجة التفكير للمرأة بسبب التفكير فيها، وبالخوف على المرأة بسبب الخوف منها وبتحقير عقل المرأة بسبب الخوف من مكائد عقلها، وقلت إن هذا الوضع المأزوم أرهق المجتمع فكريا ًوماديا ً وأوجد مشاكل لا حصر لها. في نهاية المقال أكدت على أن المهرة الصحراوية الطبيعية أقرب للعقل والقلب من فرس الإسطبل التي تتراقص على أنغام المروضين للحصول على مكعبات السكر والتصفيق.
أقول مرة أخرى إنها مسألة وقت فقط إلى أن تحصل المرأة السعودية على حقوقها الشرعية والاجتماعية في حضانة أطفالها بعد الانفصال وفي رفع العضل وتسلط الأب والأخوة في اختيار الزوج المناسب وفرض الطلاق، وبالتصرف بمالها الخاص بالإضافة إلى النفقة العائلية المفروضة على الزوج، وفي حرية الحركة في مركبتها الخاصة في العلن المكشوف وبالحماية التي تكفلها السلطات الأمنية للمواطن والمقيم، للتسوق ولتوفير الرعاية الطبية لنفسها ولأطفالها ولوالديها، وللحضور والانصراف من وإلى أماكن العمل دون الاضطرار إلى العزلة أو الخلوة أثناء ذلك كله مع سائق أجنبي أو سائق أجرة، إلى آخر الحقوق المكفولة بالنظام الأساسي للحكم لكل المواطنين دون تمييز.
لتسريع الحصول على هذه الحقوق لابد من إقناع إضافي تبذله المرأة لتعزيز هيبتها ومصداقيتها، ولنزع القشرة المشوهة التي يحتج بها المعارضون. المرأة الجدية لابد أن تعترف بوجود نوعيات من النساء يصب حضورهن الاجتماعي في نفس القنوات التي تعتبر المرأة مجرد مخلوق لخدمة الرجل في النهار وتسليته في الليل حتى في هذا العصر الذي تدنت فيه معايير الالتزام الرجولية بالواجبات العائلية والتربوية والاجتماعية.
لست في وارد الجدل مع ولا تهمني تلك الشريحة التي تريد العبث بحقوقها على هذه الشاكلة وتتعامل مع جسدها وحضورها الاجتماعي بناء ً على ذلك. الخطاب موجه إلى السعودية التي تشعر أنه باستطاعتها تقديم إضافة تنموية للوطن وأن لها حقوقا ً تريد الحصول عليها لكونها مغيبة لاعتبارات عرفية اجتماعية.
أحس بالغبن والضيق عندما أحضر أو أشاهد على الفضائيات ندوات نقاش وتجمعات حوارية أو مهمات تمثيل للمملكة في الخارج، ويكون فيها سعوديات محسوبات على الثقافة والرأي مع سيدات مجتمعات أخرى متواضعات في الملبس ولا يبدين من الاهتمام في المظهر سوى الرتوش القليلة، بينما يظهر البعض من سيداتنا بحواجب مخطوطة بحد القلم وبرموش اصطناعية وعدسات عيون زرقاء وخضراء أو بنظارات سوداء مرتديات ملابس السهرة في قاعة محاضرات وملتفحات بالعطور المخترقة للحدود. أغوص في مقعدي خجلا ً عند متابعة الابتسامات العابرة على وجوه سيدات العوالم الأخرى تعبيرا ً عن انطباع مبدئي بأن هذا الحضور المزخرف من غير المتوقع أن يقدم إضافة جدية للنقاش وتبادل الآراء.
المهم وخلاصة الكلام، على المرأة السعودية الواثقة من نفسها ومن حضورها والحريصة على تسريع الوصول إلى ما تستحقه كمواطنة كاملة، ألا تفسد هيبة حضورها الطبيعي بالأصباغ والرموش والعدسات الملونة.