تركي بن إبراهيم الماضي
ماذا يبقى من العمر، إذا ذهب الأمل ؟
يموت الإنسان بحسرته، إذا فقد نعمة حسن الظن بالله. ورب كلمة طيبة قالها أحدهم لآخر أنهكه اليأس، بعثت له الأمل من جديد.
كان يحكي قصته، التي مر عليها أكثر من عشرين عاماً. كان هو بطلها المتوج، دون أن يدري. بدأت قصته من نهايتها. حضر مؤخراً جلسة نقاش لأطروحة الماجستير لأخيه الصغير. وبعد أن انتهت الجلسة بمنحه الشهادة بتفوق، حتى كاد أن يطير فرحاً من مكانه. كأنه هو من حصل على الشهادة لا أخيه.
احتضن أخاه وبادله الفخر بما حققه. قال له: «أنت الآن أنجزت شيئاً، وبقيت لك أشياء. قطعت المشوار الصعب، وبقي الأسهل. لا تتثاءب، فالناجح لا يعرف الراحة»!
قاله له أخوه الصغير: «كل ما فعلته سببه بعد فضل الله، هو منك».
هذه كانت الخاتمة، أما البداية، فكانت صعبة جداً. يذكر أنه عاش وعائلته أياماً سوداء. لم تكن حياتهم سهلة أبداً، وبالتحديد له هو شخصياً، حيث كان أكبر الأبناء.
يتذكر أنه ذات يوم فاتحه أخوه الصغير، بهواجسه المضطربة، والخوف من المستقبل، في ظل واقع لا تلوح له في الأفق أي انفراجه. باح له بكل شيء، وشاوره في الطريق الذي يريد اختياره، بين إكمال الدراسة، وهو ما يبدو صعباً، في ظل ضيق الحال للعائلة، أو تركها والانخراط في العمل مبكراً، لمساعدة عائلته مادياً.
ذاكرته لم تسعفه بأكثر من ذلك. لم يكن يتذكر أي شيء آخر بعدها. لكن أخوه الصغير، أعاد له الجزء المفقود من الحكاية، وأكملها له. قال له: «لم أنس أبداً أنك قلت لي: (لا شيء يبقى على حاله. أمرنا بيد الله، وهو أرحم بعباده.. ستفرج إن شاء الله، لا تخش شيئاً).. كانت كلمتك (ستفرج) هي البلسم الذي أعادني لمسار الدراسة، والإصرار عليها».
يقسم بالله أنه لا يتذكر هذا الجزء من الحكاية، وأنه نسيه كما أشياء أخرى في حياته. لم يكن يتصور أنه ساهم في نجاح أخيه بكلمة، كان هو الأحوج منها. لا يتذكرها لأنه كان يقولها دائماً، مما تعلّمه من جدته، التي كلما رأته مهموماً بالدنيا، بادرته بالقول: «بتزين الأمور يا ولدي.. ما في شيء يبقى على حاله»!