كعادتها حصة.. أحضرت ابنيها يوسف وياسمين لمزرعة والدها، والتي تحتضن أبناءه وأحفاده في نهاية كل أسبوع. تحلق الصبية حول جدهم بعد فراغه من صلاة العصر، فهو موعد الحصة الأسبوعية، احتضنهم الجد في سرور وأجلسهم حوله.
وفي زاوية الغرفة المعتقة جدرانها وكأنها جدر من طين.. لمح الجد يوسف وياسمين جالسين على غير العادة شاردي الذهن، وفي ملامحهما شيء من الخوف، فناداهما بصوت مرتفع تنبيها لهما، وأومأ بيده أن أقبلا، ثم سألهما: ما بكما؟ -: نحن في مشكلة ونخشى إن علم والدي أن يعاقبنا: اجلسا وسأحكي لكم كيف خرج الصبي مازن من مشكلة وقع فيها وكاد والداه أن يعاقبانه عليها..
الصبية: من مازن يا جدي: طفل في مثل سنكم، عمره في 9 سنوات، تعلم من والداه حسن التصرف. الصبية: ماذا فعل مازن يا جدي؟: إذا أصغوا جيداً.. كان يا ما كان وفي قديم الزمان.. وبعد الصلاة على الحبيب العدنان -صلى الله عليه وسلم-: في يوم من أيام الشتاء، وفي قرية صغيرة من قرى.. الباحة، كان مازن يلعب في غرفته، يتصافى مع كرته، يركلها في الجدار ويلقي بها ليلتقطها صارخا «الله عليك يا دعيع».
نادته أمه.. ثم طلبت منه أن يحضر بعض الخضروات من البقالة وهي الوحيدة التي بالقرية.. ناولته النقود ومفاتيح المنزل.. وأخبرته إن لم يتأخر فإن له مكافأة ترضيه. انتعل حذاءه الصغير، ووضع غترته الحمراء على رأسه وألقى بأطرافها الثلاثة خلف ظهره.. وخرج ليحضر متحفزا ما أرادت والدته...
وفي الطريق وجد بعض الصبية يلعبون بالكرة... توقف قليلاً... تجاذبوه الصبية أن يلعب معهم.. هو حارس مرمى جيد. وعدهم بأنه سيعود لهم سريعا بعد أن يحضر الخضار التي أرادت أمه... أمسك أطراف ثوبه بيده وانطلق مسرعا نحو البقالة... أخذ ما أراد وعاد كالبرق يركض نحو منزله.. وعند باب المنزل... تفقد مفتاحه لم يجده... عاود التأكد من جيوبه والأكياس التي يحمل... فتيقن أنه قد أضاعها حاول طرق الباب.. قرَع الجرس.. لم يجبه أحد من الداخل. وضع الأكياس من يده، وجلس القرفصاء عند باب البيت... يفكر في مخرج.
رفع نظره إلى السماء فرآها ملبدة بالغيوم، فتذكر أن أمه أخبرته أنها علمت عبر التلفاز أنها قد تمطر وبغزارة اليوم. إنه في ورطه... فهو أضاع مفتاح المنزل... وسيتأخر على والدته... وقد تمطر فتتسخ ملابسه... وبعدها سيخسر مكافأة والدته. وبينما هو يفكر في حل... تذكر دعاء تعلمه من والده عندما يضع في مأزق... فأخذ يردد هذا الدعاء.. ويعيد فيه مرارا أن يبحث عن المفتاح.. وتتبع خطواته، ووقف عند ملعب الكرة لعله سقط حيناً... وقرر كانوا يجذبونه إليهم ليلعب معهم... فلم يجده... وهو مستمر في ذكر الدعاء... وفيما هو يبحث.. أخذت تمطر قليلا.. ثم سمع شابا ينادي في الأطفال.. بوجود مفاتيح مفقودة لدى البقالة... تهلل وجهه.. وانطلق في عجل.. ليعدد للعامل أوصافها.. أخذها مسروراً.. وسلك مسرعا طريق العودة إلى منزله.. وفي الطريق ازداد المطر غزارة.. فاحتمى تحت شجرة كبيرة.. وهو يردد نفس الدعاء.. ويكرره.. منتظرا أن تهدأ الأمطار قليلاً.. وفي غفلة منه.. سمع صوتا من خلفه يسأله بحذر: ماذا تصنع هنا يا مازن؟ التفت مازن.. فإذا برجل طويل.. عليه معطفا من الصوف.. بني اللون.. وقد تلثم بشماغه.. دقق مازن في ملامح العينين.. مازن.. في وجل: أبي.. ثم أخذ يعتذر.. ويروي على عجل ما حدث له.. وكيف أنه كان يردد ما تعلم منه.. تبسم الوالد.. وهو يمسح على رأس مازن: نعم.
أدخله والده معه في معطفه.. حتى وصلا المنزل.. وهناك.. وعلى سفرة الغداء.. بادر مازن يشرح لأمه ما كان منه.. وهو يرمي لشيء آخر.. تبسمت أمه.. وهنأته حينما فاز أيضا بالمكافأة التي وعدته.. وأخرجت له من الخزانة قفازات حارس مرمى جديدة..
- قصة للأطفال/ عمرو يوسف مقنص