محمد الشهري
قلت سابقاً، وقال غيري واليوم أكرر القول: إن معظم البرامج الفضائية الرياضية في واد، والقيم الرياضية والعقل والصالح العام في واد آخر، وأن معطيات هذا الواقع ومسوغاته وحيثياته، ليست من عندنا، وإنما هي مأخوذة بحذافيرها من تعاطياتهم ومن أفواههم على طريقة (من فمك أدينك).
ذلك أنه ما من قضية رياضية تحدث إلاّ تسابقت تلك البرامج بقضها وقضيضها، لا لمحاولة خدمة العدالة، وإنما للانحياز كلياً إلى هذا الطرف أوذاك، وخاصة إذا كان ذلك الطرف يتمتع بقدر عال من الأضواء والجماهيرية في سبيل ضمان نجاح حفلة (اللطم) المراد إقامتها وبالتالي استثمارعوائدها؟!.
ذات مرة هاتفني أحد أشهرمقدمي البرامج التلفازية الرياضية الأشهر والأبرز في حينه طالباً مني الاستعداد للمشاركة في برنامجه الذي سيُبث على الهواء بعد ربع ساعة لمناقشة مضمون أحد مقالاتي، وكان المعني بالمقال هوالضيف الحاضر بشحمه ولحمه في الأستوديو.. فاعتذرت، وأبلغته أنني أولاً لست من عشاق المداخلات، ولأنني ثانياً أكتفي بطرح فكرتي أو رأيي من خلال زاويتي بالصحيفة، وبالتالي فلست مضطراً إلى إعادة شرح أوتفسيرما كتبته بلغة عربية فصحى، ولا يعنيني بعد ذلك من لديه الرغبة في نقاش فحواه، وقلت له: إذا أردتم الخوض في مضمون المقال فلكم مطلق الحرية ولكنني لن أتداخل فرد بالقول: أنا الذي يهمني نجاح برنامجي، وهو ما يعني أن عدم تداخلي لن يوفرله ذلك النجاح، وانتهت المحادثة عند ذلك الحد، وبالفعل تم صرف النظرمن قِبله عن التطرق لموضوع المقال، وهنا يتضح بجلاء مدى ثبوت ما سبق أن قلته وقاله غيري من أن هذه البرامج (ربحيّة) وتعمل لمصالحها فقط ولا تعنيها المصلحة العامة بأي حال، حتى وإن تدثرت - زوراً - بجلباب المهنية والحيادية والعمل على خدمة الشأن العام.
ولا أدلّ على ذلك مما جرى ويجري هذه الأيام من (مناحات) برامجية على خلفية إدانة اللاعب (محمد نور) بتعاطي أحد المحظورات رياضياً!!.
فبدلاً من أن تنهض تلك البرامج بواجباتها المفترضة تجاه المجتمع الرياضي وغيرالرياضي المتمثلة بضرورة توعية الشباب من مغبة الوقوع في براثن تلك المحظورات، إذا بها تحفزهم (ضِمناً) على الاقتداء به، من خلال المبالغة في تمجيده، وأن ما أقدم عليه، وأُدين به، سيخلّده كبطل أسطوري، مما يغري النشء بالتبعية للسيرفي ذات الاتجاه طالما أن المحصلة ستكون على هذه الشاكلة من العَظمة والخلود!!.
العجيب في الأمر أن من بين (زبائن) تلك الدكاكين البرامجية من ألقى باللائمة في قضية (نور) على لجنة مكافحة هذا الداء، لكونها - حسب زعمهم - مقصّرة في جانب التوعية، فهل يحتاج لاعب يلفظ أنفاسه الأخيرة رياضياً إلى من يوعيه بفداحة تعاطي المحظورات؟؟!!.
أما الأعجب من ذلك فهو قيام المذيع الذي سبق أن قال: قدّموا ما قدّم نور وتعاطوا ماشئتم، حينما قرأ البيان الأخيرللجنة الكشف على المنشطات رداً على بيان نادي الاتحاد.. إذ أغفل عمداً قراءة أحد أهم ماجاء في البيان، ألا وهو طلب اللاعب رسمياً من اللجنة صرف النظرعن فتح العينة (ب) وبالتالي صرف النظر عن متابعة القضية من قِبله، ثم عودته بعد عشرة أيام للمطالبة بقبول المضي في الإجراءات، علاوة على تلكؤه في متابعة الإجراءات الذي ظل يمارسه على مدى أشهر، وهنا لسنا بحاجة إلى عناء البحث في أسباب تعمد إغفال المذيع لقراءة تلك القرائن، إذ إن مجرد قراءتهاستفقده مجمل الذرائع التي ينطلق منها في سبيل استغفال واستغلال عشاق نور؟!!.
من حق محمد نور الإشادة بما قدمه لناديه تحديدا - بعيداً عن المنتخب - كما من حقه محاولة الإفلات من تبعات الخطيئة وفق المنطق والممكن، ولكن ليس من خلال البحث اليائس عن أخطاء إجرائية هنا أوهناك من شأنها أن تحوّل القضية إلى منحى آخر على غرار قضية المصري حسام غالي، فحتى لو وجِد ذلك الخطأ الإجرائي مثلاً مما ترتب عليه تحويل مسارالقضية، فإنه لن يغير من الأمرشيئاً، ولن يلغي حقيقة ثبوت التعاطي، أي (كأنك يابو زيد ما غزيت)؟!.
المعيب حدّ الوقاحة أن هذا الزخم (البكائي) البرامجي المفتعل لمجرد أن أحد لاعبي الكرة وقع في المحظور، علماً أن عقوبته لاتتجاوز منعه من اللعب وهو المنتهية صلاحيته كلاعب منذ سنوات، في حين لايمر أسبوع دون أن يفقد الوطن أحد أبطاله إما على الحدود، أو في مواجهة أعداء الوطن من الداخل، ومع ذلك لا يحظى أولئك الأبطال بدمعة واحدة من تلك الدموع، وحبذا لو ظل الأمر عند هذا الحد، بل تعداه إلى درجة تلميع وتحسين صورة المدان في أعين صغارالسن، وترغيبهم في أن يحذوا حذوه، بدلاً من توعيتهم وتحذيرهم من ذلك الشرّ العظيم؟؟!!.
وهنا يبرز السؤال الضرورة: أين أصحاب الرشد مما يجري في تلك البرامج من عبث بحق المجتمع دون حسيب أو رقيب، وإلى متى؟؟!!.
بالمناسبة: يقول لي أحد المتابعين المخضرمين.. أخشى ما أخشاه أن يكون خلف هذا الحماس الزائد في محاولة قلب الحقائق، مكاسب خاصة غير تلك المعلنة على طريقة (ما يُخدم بخيل).