هل سبق أن تحدّث بقسوة مع شخص تحبه بدون أن تقصد؟ هل سبق أن وقفت مبتسماً في حفلة وأنت تشعر بالضجر أو الغضب والحزن؟ هل سبق أن هنأت شخصاً بحرارة وأنت تظن أنه لا يستحق ما حصل عليه؟ بالطبع حدث لك ذلك، كما حدث لنا جميعاً، فجميعنا نضع أقنعة اجتماعية، وهذا تماماً ما يجب أن يحدث مع الشخصيات الخيالية بالكتب.
هنالك الرجل الذي يشعر بالحب لكنه لا يستطيع البوح بمشاعره، ربما بسبب نظرة المجتمع أو بسبب تربيته القاسية، أو بسبب عجزة عن التعبير عما يخالجه من مشاعر، لذلك لا بدّ للشخصية الورقية أن تكبت مشاعرها هي أيضاً وتعجز عن التعبير كما الواقع، فواقعية الشخصية الروائية تنطلق من انفعال حقيقي، أو تخفي انفعال حقيقي، إن الشخصية في الرواية شأنه شأن أي شخص في الواقع، ما هو إلا نتاج لكل ما يحدث معه.
الدوافع.. ينبغي أن ترغب الشخصية بحصول شيء ما، أي شيء، والا لا تقوم القصة، كالتحرر من ذات بشعة كـ»المسخ» لكافكا، أو كالوصول للحب الحقيقي والعيش معه «ذهب مع الريح» أو الرغبة بامتلاك المال «لائحة رغباتي» وأحياناً لا تعرف شخصية الرواية ما تريد لكن أنت أيها القارئ تعرف..
رواية حكومة الظل للكاتب السعودي منذر قباني تجسيد للدافع، فدوافع البطل نعيم الوزّان تاريخية، لذلك يلزم القارئ لكي يستشف دوافعه ثقافة تاريخية دينية للكثير من الأمور كنشأة اليهود وتأسيس الماسونية ورموزها، وهذا ما قد ينقص القارئ «الثقافة»، واعتمد أيضاً على زمن الإرجاع للماضي, فهو في الفصل الخامس عاد بنا إلى زمن الوراء إلى عام 1908 أيام الدولة العثمانية في إسطنبول أيام صراع بين حركة الاتحاد والترقي وبين السلطان عبدالحميد الثاني.
نعم.. يحقّ للكاتب الإرجاع الفني, ولكن قبل ذلك تكون ذكرت ما يكفي من الأخبار المثيرة للاهتمام لتثبيت أقدام القارئ في الزمن الحاضر للرواية, قبل أن تنقلنا لماضيها، فعلى الكاتب أن يجعلنا أولاً نهتم بحاضر «نعيم الوزّان» بطل رواية حكومة الظل قبل أن نهتم بماضيه. هنالك أيضاً «القناع الاجتماعي» في الرواية كما في الواقع فإذا كانت عاطفة الشخصية وسلوكها غير منسجمين، تستطيع أن نعتبرها عملاً فاشلاً وناقصاً, فلا تستطيع أن تأتي بشخصية رجل عاشق لامرأة ومدمن للعمل مثلاً، يجب أن تظهر بعض المؤشرات العاطفية على الشخصية. إن الجسد لا يكذب لكن الناس يكذبون أحياناً، كيف بإمكانك أن تنقل للقارئ شخصية تكذب؟!
الأسلوب الأول: بأن يقول مباشرة «أنت كاذب».
الأسلوب الثاني: بأن تجعل القارئ يشعر بأن الشخصية كاذبة بدون التصريح بذلك، المشكلة أن القارئ غير المثقف قد لا يعرف الإمارات الجسدية للكذب إلا أنه سيشعر بأن هنالك ما يحدث للشخصية ويكتشف ذلك، وبعض العلامات الدالة على أن الشخصية كاذبة، تجنّب النظر في عين الشخص، التعرّق، النظر المستمر في ساعة اليد، احمرار الوجه».. وهكذا مع دمج العلامات الجسدية مع حوارات تدل على الكذب.
فالكاتب الذكي يميل إلى ابتكار شخصيات مركبّة لأنها تبدو أكثر واقعية بالنسبة إلى القراء، فالقارئ يعرف أنه ليس بسيطاً من الداخل، ويميل إلى عدم الانجذاب إلى الشخصيات ذات البعد الواحد، فهو قد يرغب بأشياء متناقضة أو بأحاسيس متضاربة وتتغير رغباته ومشاعره مع الزمن، لأن الإنسان قد يملك قيماً عدة وقد تجبره الحياة الصعبة كما في الرواية إلى التصادم معها.
وهنا تبرز «العاطفة المزدوجة للشخصية» وهي غالباً تنشأ من التجارب السابقة أو الميول الثقافية أو الرغبات.. فربما تستمتع من نكتة غير مهذبة من صديقك ولكنك تنفر منها، ويرجع ذلك لأسباب عدّة، منها أنك تستمتع بكونك الشخص المهذّب أمام الناس، أو تشعر بإحراج لسماعها أو قولها، هذا هو التضارب في المشاعر الذي تفتقده أغلب رواياتنا.
قال أحد الشعراء من مئات السنين «أعط الحزن كلمات»، وكانت نصيحة جيدة للكتاب في جميع العصور، أعط كلمات للحزن والفرح والرغبة والرضى واليأس، وهذا هو الحوار ولكن من دون قيود، فلا يوجد عمل روائي خالٍ من العواطف، وبعض الشخصيات الروائية تحتاج إلى كمية مشاعر دون غيرها، فلكي تكون الشخصية العاطفية معقّدة تحتاج إلى مشاهد أكثر تعقيداً أيضاً, وهذا ما أظن أنه ينقص رواياتنا السعودية, الشخصيات الموجودة لدى الكاتب ساذجة بسيطة عديمة الخيال والتراكيب ولا تشبهنا.
- أحلام الفهمي