د. مساعد بن عبد الله النوح ">
كلنا يعلم بأن الطلاق هو أبغض الحلال عند الله، وأنه في الوقت نفسه حلٌ عندما يصعب استمرار العلاقة بين زوجين، وأنه ليس نهاية الحياة بالنسبة لهما، وأنه فترة نقاهة لهما لمراجعة النفس عند الإقدام على حياة جديدة، لكنه لا يؤدي بهما إلى إقامة حفلات غير مسبوقة في العرف الاجتماعي، فضلاً عن موقف الشرع الحنيف منها.
لقد ظهر في بعض العائلات إقامة حفلات، هي غريبة عن ديننا وقيمنا وعاداتنا، وغرابتها تكمن في فكرتها، فكما تعود الناس على إقامة حفلات تجمع الأضداد، والأباعد، والمتخاصمين، والأغراب، تولدت هذه الحفلات التي تقام نتيجة انفصال طرفين صعُب استمرار العلاقة بينهما، حفلات تصرف عليها أموال طائلة، ويدعى إليها أناس لتقديم التهاني والتبريكات الممجوجة، وممارسة بعض الطقوس الهزيلة التي تعبر فيها المطلقات تحديداً عن بعض الانفعالات، ظاهرها الفرح والسرور بالانفصال، وباطنها الحزن والألم يعتصر قلوبهن؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفهن بالقوارير التي تتصف بالشفافية والنعومة والجمال، لكنها سريعة الكسر والتحطم. ولا يوجد أعظم من الطلاق لكسر الزوجة.
إن مثل هذه الحفلات تسهم في خلق نظرة هشة للحياة الزوجية لدى المقبلين على الزواج، وتهميش الحقوق والواجبات، وتجعل من الطلاق كلمة خفيفة على اللسان يرددها أحد الزوجين عند أبسط موقف خلاف بينهما؛ لأنهما وجدا المجتمع يقيم الحفلات في حالة الارتباط وحالة الافتراق.
ولو حرصت الأسرة على تفعيل شروط تكوين الأسرة المسلمة عند الرغبة في تزويج أبنائها لما ظهرت حالات طلاق بشكل ملحوظ بل ومقلق في كثير من البيوت اليوم. وهذه الشروط ليست مجهولة لدى الأسرة ولا صعبة التطبيق، لكنه الطمع الدنيوي المتبادل من الزوجين يجعل الحياة بينهما بلا معنى.
يقول تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:229]، أي إقامة العشرة الحسنة بين الزوجين، وإن تعذرت، فالابتعاد هو الأنسب، لكن بهدوء، وحسن تصرف، وإكرام لبعضهما؛ تثميناً لمواقف جميلة بينهما خلال زواجهما عملاً بقوله تعالى: {لاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة:273].
والمعنى: أن الله تعالى يأمر من جمعتهم علاقة من أقدس العلاقات الإنسانية، وهي علاقة الزواج أن لا ينسوا في غمرة التأثر بهذا الفراق والانفصال ما بينهم من سابق العشرة، والمودة، والرحمة، والمعاملة. وهذه قاعدة مهمة في العلاقات الزوجية كلُّ ذلك لزيادة الترغيب في العفو والتفضل الدنيوي وضبط النفس وتكبير العقل عن صغائر المنغصات.
لا تخلو الحياة الزوجية من جوانب مشرقة، ومن وقفات وفاء من الزوجين لبعضهما، فإذا قُدّر وآل هذا العقد إلى حل عقدته بالطلاق، فإن هذا لا يعني نسيان ما كان بين الزوجين من مواقف الفضل والوفاء، ولئن تفارقت الأبدان، فإن الجانب الخلقي يبقى ولا يذهبه مثل هذه الأحوال العارضة? ولو دقق الزوجان في أثر العفو، فإن له آثاراً إيجابية منها: يقرّب إليهما البعيد، ويصيّر العدو لهما صديقاً? ويعرفان في وسطهما الاجتماعي بأنهما من أهل مكارم الأخلاق، بخلاف ما إذا أصبحا لا يتنازلان عن الحق.
لا يوجد إجراء رسمي يُجرم المطلقة عند التفكير في إقامة حفلة لطلاقها إلا وازعها الديني وخلقها النبيل وتربيتها الحسنة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (عجبناً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراً شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراً صبر، فكان خيراً له) [رواه مسلم]. والمعنى: أن المطلقة المسلمة التي تبحث عن مرضاة ربها، وترجو توفيقه لها، وتعويضها خلفاً أفضل من زوجها الأول، ونصره لها تعمل بهدي النبوي الشريف، وليس تقيم حفلات تعكس هشاشة في الفكر والمنطق والسلوك.
إن من آثار إقدام المرأة المطلقة على إقامة مثل هذه الحفلات: تقليل من فرص زواجها مرة أخرى، حيث سيتخوف الرجال من الاقتران بها؛ لقلة وفائها للحياة مع زوجها الأول، ويعطي مؤشراً عن تربيتها وأخلاقها لدى الأسر المحيطة بها وإن كانت تعرف معاناتها مع زوجها السابق فتتخوف من ذكرها لدى الراغبين في الزواج، والأصعب من ذلك الأثر النفسي الحالي والمستقبلي على أبناء عند ما يشاهدون أمهم تفرح وتبتهج بالبعد عن أبيهم بإقامة حفلة صاخبة يحضرها عدد من المدعوين، ومن الآثار قد يتسبب احتفاؤها هذا في حرمانها من حقوقها الشرعية المفروضة على الزوج من نفقة وتوفير مسكن لها وحضانة وإسقاط حقها في الميراث إن كانت في فترة العدة، وإفشاء الأسرار الزوجية بينهما...إلخ.
أسأل الله أن يلهم الأسر العلم بشروط تكوين الأسرة المسلمة ويعينها على تفعيلها إخلاصاً لله وليس سعياً وراء متاع الدنيا، كما أسأله أن يحفظ بيوت المسلمين من التصدع الأسري، وأن يتفكر كل من الزوجين في مصير الأبناء الذين هم سيدفعون الثمن غالياً.
Malnooh@ksu.edu.sa