د. خالد محمد باطرفي
عندما زرت الولايات المتحدة في يناير 2006 بدعوة من المعهد الديمقراطي الأمريكي لحضور كلمة الرئيس بوش الابن السنوية في الكونجرس (حالة الاتحاد)، وزيارة عدد من الصحف ومراكز الأبحاث والدراسات في واشنطون،
سمعت لأول مرة عن الحضور الإعلامي والثقافي المشع لسفيرنا الجديد (حينها) الأمير تركي الفيصل.
فخلال عامين فقط، قام السفير بزيارة 37 ولاية، ألقى خلالها عشرات المحاضرات والتقى بآلاف الأساتذة والباحثين والطلاب لمناقشة قضايا الشرق الأوسط والعلاقات السعودية الأمريكية.
تابع الإعلاميون هذا النشاط الحافل وحظيوا لأول مرة بالتواصل الميسر مع سفير دولة عربية بمكانة المملكة، وتعرفوا عن قرب على أمير سعودي مثقف يحمل آمال وأحلام وهموم أمته ويحسن التعبير عنها، كما شرح لي مستشاره الإعلامي حينها، جمال خاشقجي، داعياً لمشاركتي مناسبة في السفارة وجولة الأمير في إحدى الولايات.
وفي زيارة تالية لواشنطون، بعد إعلان استقالة السفير، عبر بعض من التقيتهم من الإعلاميين والباحثين والسياسيين عن حزنهم لفقده. يقول أحدهم «لقد كان صوت منطق، ومشعل نور في غابة الشرق الأوسط الضبابية، الغامضة، المحيرة. مزيداً من السنوات معه كان يمكن أن تحقق لكم مجموعة ضغط «لوبي «قوي يواجه المجموعات الإسرائيلية والإيرانية. فالمثقف يُعَبِّد الطريق للسياسي والاقتصادي، وهكذا فعل خصومكم».
ولا يزال الأمير تركي الفيصل اليوم، من موقعه كمثقف سعودي، ورئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، يواصل دوره في التعريف بمواقف المملكة والدفاع عن قضايا الأمة والتنويه بسماحة الإسلام في المحافل الدولية.
اليوم نحن بحاجة إلى المزيد من سفراء فاعلين مثل تركي الفيصل، عادل الجبير، ود. غازي القصيبي، ومحمد بن نواف، ود. عبدالعزيز خوجه، وأخيراً، عبدالله بن فيصل بن تركي وثامر السبهان. إذ لا تقتصر مهمة السفير على العمل الإداري والتمثيل الدبلوماسي، وإنما تتسع، خاصة في مثل هذه الظروف، لتشمل التواصل مع النخب السياسية والإعلامية والتعليمية والثقافية والمشاركة في المناسبات والمؤتمرات والقيام بالجولات والزيارات وتنظيم واستضافة القيادات والرموز بما يوثق العلاقات مع جميع الأطراف المؤثرة وينقل صورة مشرقة ومشرفة لنا.
كما أن هذه المهمة الجليلة مطلوبة أيضاً من النخب المثقفة في الجامعات ودور الثقافة والإعلام والقطاع الخاص، سواء من خلال زيارات ومشاركات فردية، أو مشاركات جماعية. وتحضرني في هذا الصدد بحضورها الدولي المشرف، صاحب المبادرات الثقافية الأمير خالد الفيصل، وهناك غيره لا تحضرني أسماؤهم يشاركون بصفتهم الشخصية أو الاعتبارية، وبجهود خاصة أو ضمن وفود رسمية، في التعريف بالمملكة وإنجازاتها التنموية والتعبير عن رؤيتها السياسية والفكرية ومواقفها تجاه القضايا الإقليمية والدولية.
كما نحن بحاجة إلى متحدثين رسميين بمستوى اللواء منصور التركي والعميد أحمد عسيري ليكونوا مصدراً فورياً للخبر والمعلومة، ويردوا على الإشاعات والاستفسارات أولاً بأول. ففي زمن الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي لا مجال للتراخي أو الالتزام بساعات الدوام.
ولتحقيق هذه الغايات فنحن بحاجة إلى حسن اختيار وجودة تأهيل من يمثلنا، ويشمل ذلك التثقيف في مجال التخصص، والتدريب على الخطابة والمناظرة واللغات الحية، والتعامل مع المواقف والأسئلة الحرجة.
الحاجة ملحة والوقت قصير، والسرعة مطلوبة لتحقيق المأمول.