سلوى بنت عبد الباقي الأنصاري ">
في هذه الأيام مع بداية الصيف وإقبال الإجازة، يكثر الازدحام وتعم الفوضى وتضيق الأخلاق ويكثر التذمر من سائقي السيارات؛ فهذا يشتم وذاك ترك سيارته لكي يتعارك وآخر مسرعاً وكأن الطريق خاص به.
يقول عادل وهو سعودي ويعمل سائق ليموزين في الرياض: «للأسف انحسر التؤدة والتأني حتى في قيادة السيارات، وغابت الابتسامة عن كثير من الوجوه لا أكاد أقابل وأرى كل يوم سوى وجوه عابسة متحفزة للشجار» أحقاً وصل بنا الحال إلى هذا الحد؟!.
إن مما يزعجني ويؤلمني كثيرا أن أرى من يقلل من قيمة السائق ويتهمه بسوء الأخلاق وسوء التربية لمجرد خطأ بسيط ويتخذها ذريعة للتلفظ عليه، وقد نسي أو تناسى أنه هو المخطئ؛ لأنه لو ضبط أعصابه والتزم بتعاليم دينه لما وصل به الحال إلى هذا المقال، والصبر حين يحتدم الحنق في القلب ويمتلئ غيظاً وغضباً مطلب أساسي، وخلق عظيم والصبر لا يأتي إلا بخير قال صلى الله عليه وسلم (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب).
إن من محاسن هذا الدين الأخلاق الفاضلة والسجايا الحميدة سواء كان هذا في الطريق أو مع الصديق؛ وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بحسن الخلق فقال (وخالق الناس بخلق حسن) ومن الغريب في هذا الأسلوب العجيب أنه يحول العدو إلى حبيب قال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ} أي: فرق عظيم بين هذه وهذه, وقال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} أي: من أساء إليك فادفعه عنك بالإحسان إليه، كما قال عمر -رضي الله عنه- ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه.
وقوله:{فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}وهو الصديق، أي: إذا أحسنت إلى من أساء إليك قادته تلك الحسنة إلى مصافاتك ومحبتك، والحنو عليك، حتى يصير كأنه ولي لك حميم أي: قريب إليك من الشفقة عليك والإحسان إليك.
ونحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال الله عنه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}كيف لا نقتدي به! نحن أمة يُنتظر منها الاقتداء بالقرآن فأين نحن منه؟.
وكم هو مؤلم أن يأتي ساهر ليؤدب من لم يتأدب ولم يراع حقوق الطريق، ويثبت لنا ضعف الدين في نفوسنا؛ أيعقل أن يكون ساهر أقوى من تعاليم الدين عند المسلمين؟!.
إن الحل لهذه المشكلة يكمن في الداخل، في التربية الصالحة ومعاهدة ومجاهدة النفس بالتدرب على الصبر بالمصابرة وباستشعار أن لكل من يسير في الطريق احتياجات قد تفوق احتياجاتك وأن له أهل ينتظرون عودته مثلك.
أصبحنا نحن النساء نخشى على أزواجنا وأبنائنا وأقاربنا حين يخطئ أحد منهم في الطريق، لأننا نعلم أنه قد يخطئ على من لا عقل ولا رحمة لديه، ولو تأخر قليلا عن موعد عودته تدور بنا الدوائر ولسان حالنا يقول:
سهرت أعينٌ ونامت عيون
في أمور تكون أو لا تكون
وأخيرا أخي السائق أنت ملك لنفسك فلا تدع العوامل تؤثر فيك مهما بلغت، بل اجعل مبادئك تقودك أينما كنت.
* وأعلم أن (الطريق للجميع.. وردود أفعالك هي أنت).