عبد الرحمن الخراشي ">
تعتبر المدرسة ثاني مؤسسة اجتماعية بعد النسق الأسري من حيث أهميتها البنائية والوظيفية، ومكانتها في التأثير على سلوك الطفل ورعايته وصقل شخصيته وتنمية مهارته ومواهبه، وتزويده بالمعلومات والمعارف وتعزيز قيمه التربوية، كما تعد المؤسسة التعليمية (المدرسة) بيئة اجتماعية مليئة بالانفعالات والمثيرات والضغوط والتفاعلات الاجتماعية، ومن خلال هذه العمليات قد يتعرض الطلبة لبعض الصعوبات والمشكلات والمثالب المدرسية التي ربما تؤثر على تفاعلهم وقدرتهم على التكيف السليم داخل المناخ التعليمي، أو حتى في سلوك ووعي وثقافة المعلم وبالتالي تظهر بعض (السلوكيات اللا تكيفية الشاذة) التي قد تعرقل سير العملية التعليمية، وتقف عائقاً في تحقيق أهدافها التربوية وغاياتها السامية، ولعل من أهم الظواهر السلبية التي تحدث في البيئة التعليمية، وتهدد نظامها التربوي.. ما يسمى (بالعنف المدرسي).. وهذا المفهوم الذي يعرفه علم الاجتماع (بأنه مجموع السلوك غير المقبول اجتماعياً بحيث يؤثر على النظام العام للمدرسة، ويؤدي إلى نتائج سلبية فيما يتعلق بالتحصيل الدراسي).. وللعنف المدرسي مظاهر وأشكال.. ومنها (العنف البدني) كتسلط المعلمين واستخدام العقاب والإيذاء الجسدي ضد الطلاب، والشجار والمنازعات والخصام بين التلاميذ وحتى بين المعلمين، و(العنف المادي) مثل التخريب داخل المدرسة، والكتابة على الجدران، والعبث بممتلكات المدرسة، و(العنف الرمزي) كالسخرية والاستهزاء والاحتقار، و(العنف اللفظي) كالسب والشتم وإطلاق الألقاب المخلة بالأدب وكرامة الإنسان». وتعد ظاهرة (العنف المدرسي).. ظاهرة نفسية اجتماعية موجودة في كل المجتمعات الإنسانية غير أنها تختلف في معدلاتها ونسبها من مجتمع لآخر.. طبقاً للوعي المجتمعي والعمق الحضاري والبعد الثقافي.. ومجتمعنا السعودي -الذي يعيش مرحلة شبابه في واقعنا المعاصر باعتبار أن ما يقارب 65% من تركيبته الديموغرافية (السكانية) هم من فئة الشباب - من المجتمعات الإنسانية التي تعاني من وجود هذه الظاهرة المجتمعية الخطيرة داخل المناخ التعليمي، والعنف المدرسي ومظاهره (البدني واللفظي والرمزي والمادي).. سواء كان مصدره المعلم أو الطالب.. ناتج عن وجود خلل في مراقبة الأبناء ورعايتهم وحسن تربيتهم وتنشئتهم التنشئة الاجتماعية السليمة، بالإضافة إلى تدهور الأساليب التربوية المدرسية وتنشئتها الخاطئة في معظم الأحيان، والتعمل بالقسوة داخل البيئة المدرسية، والتفرقة في المعاملة بين أبناء داخل النسيج الأسري.. قد تخرج أجيالاً معادية للمجتمع ومتمردة على قيمه ومعاييره الاجتماعية الأصيلة، أو كما يسميها علماء الاجتماع (الانومي)، بالإضافة إلى العوامل الاقتصادية والخصائص النفسية والعقلية والاجتماعية التي ربما تقود إلى انتشار فيروسات العنف المدرسي، ويمكن تفسير هذا السلوك الانحرافي من منظور «علم النفس الاجتماعي» بأنه ناتج مع خلل وظيفي في التنشئة الاجتماعية والنفسية والتربوية والثقافية أفرزت -كيميائياً- مثل هذه التصرفات المناهضة، والممارسات الخاطئة، والسلوكيات العدائية، وبالتالي قد تؤدي إلى إلحاق الضرر بأحد العناصر المدرسية الرئيسة (الطالب- المعلم- الممتلكات المدرسية).. والأكيد أن ارتفاع معدلات هذه الظاهرة المجتمعية الخطيرة تشكل معوقاً للعملية التربوية التعليمية، وهدماً للقيم الأخلاقية.. وبالتالي خطراً يهدد البيئة المدرسية ويعيقها من القيام بأدوارها التعليمية والتربوية والثقافية..
وفي هذا السياق تؤكد نظرية التعلم الاجتماعية (النمذجة) على أن العنف ومظاهره.. سلوك ليس فطريًا بل «يكتسبه» الفرد ويتعلمه من خلال الملاحظة والنمذجة أو التقليد.. فالسلوكيات التي يتعلمها الفرد من خلال ملاحظته للآخرين وتقليده لهم.. ومشاهدة النماذج العدوانية لها أثر بالغ في تعلم الفرد منذ صغره السلوك العدواني واكتسابه، كما أن الأسرة تعتبر من المصادر الرئيسة لظاهرة العنف المدرسي، خاصة إذا كان يسودها سلوك العنف والفوضى وعدم الاستقرار العاطفي والنفسي والعادات السيئة الأخرى سواء بين الزوجين أو بينهما وبين أبنائهما أو أسرة مفككة، بالإضافة إلى عدم (وعي) الأسرة بأهمية عملية التربية والتعليم.
كما من أسباب ظهور العنف ومكروباته في البيئة المدرسية (المعلم) نفسه فهو من مصادر العنف حيث إن القصور التربوي والعلمي الذي يظهر به المعلم في معظم الأوقات.. يشكل منطلقاً أو دافعاً لبعض الطلاب غير المنضبطين نحو إثارة الشغب والفوضى والتمرد على أنظمة المدرسة.. وبالتالي يكبر الطالب ويترسخ في قاع وجدانه وسلوك العنف المرضي ومظاهره ويصبح بعد ذلك أنسانا عدوانيا فضّاً غليض القلب.. يتأخذ العنف منهج حياته سواء مع أسرته أو مع زملائه في محيطه الاجتماعي المدرسي تحديداً, ولذلك ينبغي علاج قضايا العنف المدرسي والمشكلات السلوكية وإرهاصاتها ,وذلك بإدخال وإدراج تخصص الخدمة الاجتماعية المدرسية في البيئة التعليمية.. في التوجيه والإرشاد التربوي كما هو معمول في أمريكا والدول المتحضرة ,خاصة مع ارتفاع معدلات العنف والقضايا التربوية والمشكلات السلوكية الطلابية في ظل التحولات الثقافية والمتغيرات الاجتماعية السريعة التي يشهدها مجتمعنا السعودي كسائر المجتمعات الإنسانية والتي ألقت بظلالها على البناء الأسري والمناخ المدرسي في كثير من الاتجاهات القيمية والسلوكية والتربوية, والخدمة الاجتماعية المدرسية ..لاريب كفرع حيوي من فروع الخدمة الاجتماعية يلعب دوراً محورياً في علاج كثير من المشكلات الطلابية والسلوكية والتربوية والنفسية داخل البيئة المدرسية, والمساهمة في التواصل مع أولياء أمور الطلاب وزياراتهم المنزلية للحالات التي تستدعي ذلك, وكذلك القيام بإعداد الخطط والبرامج الزمنية لأعمال التربية الاجتماعية المدرسية, وأيضاً المشاركة في صياغة وعمل الأنشطة الفكرية والبرامج التنويرية الخاصة بكشف ميول ومواهب وقدرات الطلاب وتوجيهها وتنميتها واستثمارها بما يعود عليها بالنفع والفائدة.. بالتالي انعكاس ذلك الاتجاه البنائي على تحصيلهم العلمي والمعرفي والثقافي.
وكيل قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية