د. عبدالعزيز بن ناصر الشثري ">
في ظل توجهات السياسة التعليمية للمملكة العربية السعودية، وفي ظل ما يسعى إليه مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية السعودي برئاسة ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، الذي يؤمن بأهمية توطيد العلاقة بين الجامعات والمؤسسات الإنتاجية والخدمية المختلفة، وتدعيم الشراكة بينهما وتعميقها؛ بهدف مواكبة التغيرات السريعة والجوهرية الحادثة في مجال المعرفة والإنتاج، واستجابة لبرنامج التحول الوطني الذي يسعى لتلبية احتياجات السوق ومتغيرات العصر، والاستفادة من تطبيقات العلم في التنمية، فقد أصبحت جامعات الشركات أحد النماذج التي يمكن أن تتبناها المملكة؛ لتواكب الاقتصاد العالمي سريع التغير، وذلك من خلال التركيز على النمو المهني والشخصي لمنسوبي المؤسسات الإنتاجية، وتحويل تلك المؤسسات إلى منظمات تعلّم، توفر فرصًا لمنسوبيها؛ ليصبحوا متعلمين مدى الحياة. وبهذا فإن مبدأ التنافسية الإيجابية للمؤسسات الإنتاجية سيصبح على أشده, ومن ثم سيساعد على النهوض بهذه المؤسسات الإنتاجية, وكذلك سيساعد على حل وسد كثير من الثغرات التي عجزت مؤسسات التعليم الفني والتقني الحكومية عن القيام بها على الوجه الصحيح.
هذا النوع من الشراكة المجتمعية يتفق مع التوجهات العالمية؛ فقد أصبح في العالم المئات من جامعات الشركات، التي أنشأها أصحاب الأعمال والمؤسسات في مختلف المجالات الخدمية والإنتاجية؛ حتى تمد هذه المؤسسات بالقوى البشرية المؤهلة والقادرة على التكيف مع متطلبات سوق العمل واحتياجاته من معارف وخبرات ومهارات متجددة؛ ما يمكّن هذه المؤسسات من المنافسة على الصعيدَيْن المحلي والعالمي؛ ولهذا تعتبر جامعات الشركات إحدى الصيغ الجديدة في التعليم الجامعي الذي يرتبط بعالم العمل؛ إذ توثق علاقاتها بتعليم القوى البشرية وتدريبهم وتأهيلهم للعمل في عالم متغير، يموج بالتحديات المختلفة، وكذلك يعمل على إجراء البحوث العلمية لحل المشكلات التي تواجهها هذه المؤسسات، إضافة إلى البحوث التي تجعلها رائدة في مجالها على المستويين المحلي والعالمي.
وفي هذا الصدد سعت العديد من الجامعات العالمية لإنشاء جامعات شركات, وذلك من خلال التعاون مع بعض المؤسسات الإنتاجية والخدمية الكبيرة؛ بهدف إتاحة الفرصة لطلابها للتدريب العملي داخل هذه المؤسسات. وفي المجال المقابل، فإن هذه المؤسسات الإنتاجية تعمل على إلحاق موظفيها ببرامج تدريبية، تقدمها هذه الجامعات، إضافة إلى إسهام هذه المؤسسات في تمويل بحوث أعضاء هيئة التدريس والطلاب، وتجريب نتائج بحوثهم ميدانيًّا، وتسويقها، وذلك من خلال قناعة أصحاب المؤسسات الإنتاجية والخدمية بأن الأكثر أهمية لديها ليس المعدات أو التجهيزات أو الآلات فقط، إنما يتمثل فيما تمتلكه من موظفين مميزين قادرين على إنتاج أفكار قادرة على تطوير الأداء.
ويمكن أن يتم إنشاء جامعات الشركات بالمملكة العربية السعودية من خلال أن تقوم إحدى المؤسسات الإنتاجية من مصانع أو شركات في مختلف المجالات بإنشاء مثل هذه الجامعات من أجل الوفاء بأغراضها؛ إذ تعد الوسيلة الأساسية للتنمية المهنية لمنسوبيها، وتطوير الأداء بها، والاستفادة من الخدمات والإمكانات الجامعية، وتقديم خدمات لأعضاء هيئة التدريس وللباحثين والطلاب بالجامعات. ويمكن أن تأخذ جامعات الشركات بالمملكة العربية السعودية أشكالاً عدة؛ فقد تكون جامعة لها كيانها المستقل بعيدًا عن المؤسسة التي تنشئها، وقد تكون داخل هذه المؤسسة كأحد المراكز أو الأقسام التدريبية، وقد تكون بشكل افتراضي من خلال موقع للجامعة على شبكة الإنترنت، يتم من خلاله تقديم جميع الخدمات بما يحقق أهداف الجامعة.. وكلها تتلاءم مع طبيعة العمل بالمملكة العربية السعودية.
ولكن لا بد من توافر العديد من المتطلبات لإنشاء جامعات الشركات بالمملكة العربية السعودية, تتمثل في مجموعة من المراحل المتتالية، وذلك على النحو الآتي: إعداد دليل شامل، يوضح آلية التعاون بين الجامعات والمؤسسات الإنتاجية، يوضح خطوات إنشاء جامعات الشركات، وكيفية استصدار اللوائح التي تنظم إنشاء جامعات الشركات، وعمل حملات توعوية بين الجامعات والمؤسسات الإنتاجية حول جامعات الشركات وأهميتها ومميزاتها، وأن تعمل عمادة خدمة المجتمع بالجامعات الحكومية أو الأهلية على عمل دراسة بالاحتياجات (البحثية، التدريبية والاستشارية) للمؤسسات الإنتاجية المختلفة بالمملكة، على أن يتم توضيح هذه الأمور على موقع على الشبكة العنكبوتية، على أن يتم عمل زيارات ميدانية لبعض الدول العربية والأجنبية للاستفادة من النماذج والخبرات الناجحة لجامعات الشركات في بعض دول العالم.
وفي ضوء ما سبق يتضح أن جامعات الشركات تُعد نموذجًا جيدًا لتفعيل الشراكة بين الجامعات (الحكومية) مع المؤسسات الإنتاجية نظرًا للعوائد الكبيرة التي ستعود على كل من الجامعات والمؤسسات الإنتاجية؛ إذ إنها ستساعد في زيادة نمو معارف منسوبي المؤسسات الإنتاجية، وتعزز مهاراتهم؛ ما سيؤدي إلى تطوير الأداء المؤسسي، كما أنها تساعد في زيادة التمويل بالنسبة للجامعات، وستصبح البحوث بالجامعات أكثر إجرائية؛ كونها ستسهم في حل مشكلات المؤسسات الإنتاجية.
- أستاذ الإدارة والتخطيط التربوي بجامعة الإمام