محمد حطيني
للتاريخ دلالات كثيرة، تستقرأ منها أحداث مستجدة، فيها من العبر والدروس كثير مما ينبئ بتواصل تآمر مذموم يطل بوجهه القبيح على الأمة العربية المسلمة في البقعة التي
نعيش تحديداً. ومن الأحداث التي تعكس مثل هذه الدلالات وأطلت يوما ما بأبشع صورها في يوم تآمرت كبريات الدول في العالم فيه آنذاك، بريطانيا وفرنسا، في حقبة مفصلية من تاريخ البشرية على تقاسم منطقة الهلال الخصيب بعيد الهوان الذي أصاب الدولة العثمانية في ذلك الوقت، وكان من نتائجه استعمار هذا الوطن لسنين طويلة، أثخن فيها المستعمرون القتل واستغلال المصادر الطبيعية في بلادنا وخيراتها أيما استغلال، اتفاقية اسم سايكس- بيكو التي سميت بهذا الاسم نسبة لاسم الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو، والبريطاني مارك سايكس اللذين تفاوضا على بنودها بصورة سرية وبمباركة من روسيا القيصرية آنذاك، وكان من نتائجها وعد بلفور للصهيونية العالمية بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، ها هي تعود من جديد بصورة أخرى على أيدي قوى عالمية لا تريد إلا إلحاق الأذى بهذه الأمة.
فالأحداث التي تدور في منطقتنا العربية راهنا، بما يلعب فيها أطرافها الغربيون من أدوار سلبية وعدائية، تنبئنا على ما يبدو، باتفاقية سايكس بيكو جديدة تلوح في الأفق، اتفاقية كيري - لافروف، وزيرا خارجية كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا الاتحادية، القوتين الأكبر على الكرة الأرضية هذه الأيام، بما يلاحظ من أن ثمة تقاسما للأدوار بينهما، لإقامة دويلات جديدة في المنطقة، على أسس مذهبية وطائفية، سنية وشيعية وربما مسيحية في وقت لاحق وكردية أيضاً، وهو ما يبدو جليا في العراق المقسم على أرض الواقع لثلاث دول، وفي سوريا حيث ثمة عدة دويلات للمعارضة بمختلف أطيافها، وداعش، وبقايا النظام السوري الذي حصر وجوده تحديدا في المنطقة الجبلية الساحلية من سوريا، حيث الوجود الكبير للطائفة العلوية هناك.
ومن دلائل هذه المؤامرة التي تطل بوجه مقنع على الأرض السورية يقينا بعد العراق، قيام الروس الذين يتواجدون بصورة فعلية وقوية على الأرض السورية لحماية بقايا النظام وتوفير الحماية العسكرية بمنع الأتراك من إقامة منطقة آمنة على الحدود التركية السورية لإيواء اللاجئين السوريين المشردين في بلادهم، والجهود التي تبذلها الدولة التركية في منع سيطرة الأكراد على مدينة أعزاز هناك حتى لا تكون نواة انطلاق لكيان كردي مدعوم من الغرب يمتد إلى حيث المناطق الكردية في العراق وتركيا،هذا علاوة على توصل قوى خمسة زائد واحد إلى اتفاق مع إيران بخصوص برنامجها النووي، وهو ما يرى فيه إعادة إيران إلى دائرة النفوذ الأمريكي من جديد والاستثمار فيها بعد عقود من إنهاك اقتصادها بفعل العقوبات التي فرضت عليها من قبل الامم المتحدة واستمالة نظامها المعادي لكل ما هو عربي عموما لدعم السياسات الغربية في المنطقة، وهو ما تنبهت له القيادة الحكيمة في المملكة العربية السعودية التي أخذت على عاتقها التصدي له من خلال إقامة حلف عربي إسلامي عسكري لدرء الخطر عن المنطقة العربية بكافة أشكاله.
ولا ينبغي أن ننسى في سياق الحديث عن مؤامرة جديدة باتفاقية جديدة الصمت الأمريكي الغريب تجاه التدخل الروسي في سوريا، بقوات عسكرية ضاربة تهدف ظاهريا إلى إنهاك المعارضة السورية، وهو صمت لم يكن معهودا في أية مسألة دولية في السابق حتى في أوج قوة الاتحاد السوفياتي قبل انهياره إبان حكم غورباتشوف في تسعينيات القرن الماضي. يضاف إلى ذلك تواجد داعش في أجزاء كبيرة من العراق وسوريا، وهذا كله شواهد واضحة على تآمر على هذه الأمة متجذر في شرايين صانعيه منذ القدم يعملون على إنفاذه متى ما سنحت الفرصة لذلك.
نتساءل: لم كل ذلك؟ الواقع يقول إن من يتآمر على هذه الأمة لا يهدف إلا إلى ديمومة بث أركان الضعف فيها من خلال العمل على تفتيتها وتقطيع أوصالها وتقسيمها إلى دويلات وإقطاعيات متصارعة فيما بينها، وتأجيج النزاعات فيما بينها كما هو واضح في دولتين عربيتين أخذت الجروح منهما كل مأخذ، والعمل على منع إيقاف الانتشار الإسلامي الذي يزداد تغلغلا في المجتمعات الغربية، والذي كان من نتائجه في الماضي القريب فبركة تفجيرات شهدتها عواصم غربية، مثل باريس، لإلصاق تهمة الإرهاب بهذه الأمة وتنفير العالم منها وممارسة الضغوط عليها بطرق شتى، وبما يبقي على تفوق دولة الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة وتأمين الحماية لها. ثمة أيضا دلالات عالمية على هذه الاتفاقية التي تلوح بوادرها في الأفق، منها ضم جزيرة القرم إلى روسيا، ولم تفعل لا أمريكا ولا أوروبا حيال ذلك شيئا، هذا إضافة إلى التواجد الروسي في الشرق الأوكراني، والذي طواه النسيان في الصحافة العالمية.