د. سلطان بن راشد المطيري
في الذهنية العربية والتراث العربي أن جحا تعب يوماً من حماره الذي تغير حاله فأصبح هزيلاً، لا يعينه في حمل الأمتعة، يأكل كثيراً.
إلى غير ذلك من العيوب فقرر أن يبيعه، ذهب به إلى السوق ودفع به إلى دلال السوق فإذا به ينادي بين الناس حمار للبيع يحمل الكل نشيط، لا يأكل.
وأخذ يكيل له بالمدح، حتى صدق جحا أن حماره بهذه المواصفات الطيبة النافعة، فقال للدلال لقد غيرت رأيي ولن أبيع حماراً هذه حاله.
هذا واقع حزب الله اليوم، يكذب يكذب حتى يصدق كذبه.
تابعت كما تابع غيري المشهد اللبناني بعد القرار السعودي التاريخي بقطع المعونات عن الجيش اللبناني بسبب مواقف حزب الله والخارجية اللبنانية.
بدءاً من تصريحات حزب الله، إلى بيان الحكومة اللبنانية، إلى تداعيات ذلك البيان، عبر الفضائيات، والتصريحات، والتحليلات.
وخرجت وأنا أصفق أخماسا بأسداس محوقلا، مسترجعا، ومتعوذاً بالله من الشيطان الرجيم، وأنا أقول (عش رجباً ترى عجباً).
أعضاء حزب الله صرحوا أنه يجب على السعودية أن تعتذر من حزب الله بعدها نقرر الذهاب في وفد إلى السعودية!!.
فقلت تعتذر السعودية لحزب الله عن ماذا؟
- عن الانطراح بين يدي إيران؟
- عن شق الصف العربي والإجماع العربي؟
- عن اختطاف الرأي اللبناني برمته لصالح إيران وحلفائها بالمنطقة وضرب ما عداه من مكونات عربية وإسلامية بعرض الحائط؟
- عن دعم بشار في تقتيله لأهلنا في سوريا؟
- عن المشاركة الفعلية بالعدة والعتاد وخوض معارك على الرغم من التحذيرات الحكومية اللبنانية من زج لبنان في صراعات لا تعود على المكون اللبناني بخير؟
- عن شق الصف اللبناني وخروجه بذلك عن إجماع العرب والمسلمين؟
ومن طلب الاعتذار من حزب الله!!
نحن في البيان لم نطلب من حزب الله الاعتذار، أو غيره، ولن نطلب، ولا يعنينا اعتذارهم!!
وسنكون ساذجين لو قبلنا الاعتذار كما يراد لنا، لأننا نعرف كيف تديرون الأمور، ومن يحرككم!!
نحن طلبنا تصحيح المسار وعودة لبنان للإجماع العربي والإسلامي، وعودوا للبيان الذي صدر بهذا الخصوص، واقرؤوه جيداً، قلنا بالحرف الواحد (أن السعودية ستوقف مساعداتها لتسليح الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي اللبناني، «نظرا للمواقف اللبنانية التي لا تنسجم مع العلاقات الأخوية بين البلدين»).
الكذب الممجوج هو ما صدر عن منظري حزب الله، وقياداتهم، فمنهم من برر قطع المعونات السعودية عن الجيش اللبناني بسبب أن السعودية غاضبة على سعد الحريري، أو أنها غاضبة من رئيس الحكومة تمام سلام، وأن ما قامت به قرصة أذن له، والأدهى والأمر من قال إن السعودية أرادت بذلك ضرب القضية الفلسطينية برمتها!!
من يضرب من؟! مواقفنا مع القضية الفلسطينية والأشقاء العرب لا يزايد عليها أحد، وأنتم من ضرب القضية الفلسطينية، والسورية، واليمنية، بل حتى اللبنانية.
هذا هو الكذب الذي عنيناه في أول المقالة، الكذب الذي صدقه جحا، اكذب اكذب حتي تقتنع أنك صادق.
عبد الباري عطوان خرج بمفهوم عجيب غريب، يقول إن السعودية بهذا القرار تسعى لإشعال حرب طائفية في لبنان كما هو الشأن في سوريا، ثم في ثنايا كلامه يقول: اللبنانيون بعيدون عن شبح الحرب الطائفية بعد معاهدة الطائف!!
فلا أدري أين هي الطائف، التي تمت فيها تلك المعاهدة يا عبد الباري؟
هل هي إحدى محافظات إيران؟ أو تابعة لبشار الأسد؟ والجيش العربي السوري على حد قولك!!
الجيش الذي قتل أهله من العرب والمسلمين في سابقة هي بالتاريخ واستدعى الحلفاء لإتمام هذه العملية وقد فعل يا عربي!!
نحن ياعبد الباري، من أبعد بعد الله، شبح الحرب الطائفية عن لبنان، وبياننا كان واضحاً لكل ذي عينين، ولكن عين السخط تبدي المساويا.
المحلل السياسي الدكتور فهد الشليمي من الشقيقة الكويت قال هذا الموقف السعودي هو موقف دول الخليج، بل شرفاء العرب!!
فاليوم إما أن تكون معي أو ضدي، فلبنان أهلنا وأرحامنا وهذه سويسرا الشرق، ولن نرضى أن نسلمها لإيران مهما كان الثمن.
السعودية علقت الجرس، وعلى الشعب لا الحكومة اللبنانية أن يقول كلمته.
والمضحك المبكي، ذلك البيان الرئاسي، الذي تمخض بعد سبع ساعات من النقاشات الحادة، والمناورات السياسية المعلنة، ثم يخرج بيان ركيك لا يرقى إلى مستوى الحدث لبنان تختطف، والموقف اللبناني يسجل لحزب في دولة!!
لصالح عدو ظاهر للأمة الإسلامية والأمة العربية برمتها (إيران) ثم يخرج ذلك الموقف ليذر الرماد على العيون!!
جاء في البيان (وشدد رئيس الوزراء اللبناني أن لبنان لن ينسى للسعودية رعايتها لمؤتمر الطائف ورعايتها الدائمة للبنان في السلم، ولا ينسى أن السعودية وباقي الدول الخليجية احتضنت ولا تزال مئات الآلاف من اللبنانيين من كل الطوائف والمذاهب..)
الأزمة لها وجه مشرق آخر، نسجل هنا بكل الإكبار والتقدير والإجلال مواقف الأبطال كوزير العدل اللبناني اللواء أشرف ريفي الذي لم يتردد للحظة وقدم استقالته محتجا على مواقف حزب الله، والذي قال في مذكرة استقالته (لقد استعمل حزب الله هذه الحكومة، في سياق ترسيخ مشروع الدويلة، حيث أراد تحويلها إلى أداة من أدوات بسط سيطرته على الدولة وقرارها.
وكذا موقف الرئيس سعد الحريري ابن دولة الرئيس السابق رفيق الحريري الذي يذكر فيشكر، وموقف الرئيس السنيورة وكذا سمير جعجع وغيرهم ممن يرى بعين المصلحة للمكون اللبناني والمصلحة اللبنانية بشكل كامل، ونقدر التوقيع على عريضة «التضامن مع الإجماع العربي» التي دعى إليها رئيس تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري ومناشاداته للسعودية بعدم ترك لبنان إلى غير ذلك من مواقفه المعلنة والتي هي محل تقدير من الحكومة والشعب السعودي.
قال بيان الحكومة السعودية وهو يشير إلى مثل هذه المواقف: (تُقدر المواقف التي صدرت من بعض المسؤولين والشخصيات اللبنانية بما فيهم دولة رئيس الوزراء السيد تمام سلام والتي عبّروا من خلالها عن وقوفهم مع المملكة وتضامنهم معها وتعرب عن اعتزازها بالعلاقة المميزة التي تربط المملكة العربية السعودية بالشعب اللبناني الشقيق، والتي تحرص المملكة دائماً على تعزيزها وتطويرها.
وها نحن اليوم نقول صدق حدس حكومتنا الرشيدة، فيما ذهبت إليه، من أنها تعول كثيراً على المكون اللبناني، وأغلبية أهلنا في لبنان عندما قالت في بيانها الذي قطعت بموجبه المساعدات عن الجيش اللبناني) السعودية وقد عملت كل ما في وسعها للحيلولة دون وصول الأمور إلى ما وصلت إليه، لتؤكد في الوقت ذاته وقوفها إلى جانب الشعب اللبناني الشقيق بكافة طوائفه، وأنها لن تتخلى عنه وستستمر في مؤازرته، وهي على يقين بأن هذه المواقف لا تمثل الشعب اللبناني الشقيق بعدها بدأ المشهد اللبناني ككرة ثلجية متسارعة الأحداث وهذا الذي كانت تراهن عليه المملكة في المشهد اللبناني فليس من المعقول أن يختطف حزب الله القرار اللبناني ويخرق الصف العربي.
واليوم الموقف متروك للبنانيين كشعب فموقف الحكومة أُعلن وعُرف وعرفنا نحن الشعوب العربية والإسلامية كيف تدار المواقف ومن يسير حزب الله في لبنان، وانكشف المستور فهل يرضى أهلنا في لبنان بذلك والأيام بيننا؟