د.ثريا العريض
زرت يوم الأحد الماضي المركز الإقليمي للجودة في التعليم، بدعوة كريمة من مسؤوليه، زيارة استمتعتُ بها إذ أعادتني إلى أجواء تخصصي واهتمامي: التخطيط التربوي التنموي الشامل.
بمحض الصدفة صباح اليوم نفسه وصلتني عشرات الرسائل على واتس آب وروابط في تويتر تحمل مقال معالي وزير التعليم د. أحمد العيسى معنونا بـ «تعليمنا إلى أين؟»، واحتوته أيضاً كل الملفات الصحفية ومنها ملف مجلس الشورى اليومي.
ذلك طبعا دليل على اهتمام المتابعين لما لدى الوزير الجديد ليقوله في أجواء التغيرات الهيكلية، ودمج وزارتي التعليم العام، والتعليم العالي في مؤسسة واحدة هي وزارة التعليم. والأهم من ذلك ماذا سيقدم الوزير الجديد من مشروعات لبرنامج التحول.
في اللقاء بمسؤولي المركز بحثنا موضوع التعليم في المملكة وإقليمياً وعالمياً باستفاضة - تاريخه وحاضره واحتمالات مستقبله - ولم نغطِ كل جوانبه. ونحن على أبواب حقبة «استدامة» المكتسبات التي تحققت وإرادة المضي قدما إلى منجزات وطموحات نأمل فردياً وعالمياً تحقيقها، هناك شجون مشتركة مع التعليم في المنطقة العربية وطموحات مشتركة مع العالم.
بدأت بكلمة معالي الوزير: «إلى أين؟» فهي العبارة التي تتكثف فيها كل الشجون لأنّها ضمنيا تطرح سؤال: من أين أتينا؟ ولماذا وصلنا إلى النقطة التي نحن فيها؟ هل تقدمنا أم تراجعنا؟
والتساؤلات تقودنا إلى توقعات ترتبط بتقييمنا لما حدث لنصحح ونتحرك.
بلا شك أهم روافد للتقدم وتحقيق مستجد يحسب بنا هي:
1 - توافر الإرادة القيادية السياسية التي تعطي الوجهة المستقبلية للتعليم أولوية فوق غيره من مشروعات بناء الوطن.
2 - الرؤية الصحيحة التي ترى التعليم ليس فقط غاية خاصة، ويقرر محتواه حسب تفضيلات الجمهور المستهلك، بل غاية تخصصية عامة يجب بلورتها لتكون أساس التغيير إيجابياً، مقاساً باحتياجات بناء الوطن اقتصادياً واجتماعياً بتوجه مستقبلي وضمن العضوية في عالم يتطور علميا وتقنيا بوتيرة تتسارع كل يوم.
والتحول من التعامل مع التعليم كخيار ترفي يمليه الفرد إلى مشروع مجتمعي مخطط له تحكمه الحركة بوجهة مستقبلية، قرار مصيري.
رؤية «التحول» تجعل المرونة والاتساق مع متطلبات الحياة ومواكبة المستجد في المعرفة والعلوم والمهارات، صفة لا بُدَّ منها في الفعل التعليمي، والمنجز الحكومي والمجتمعي معا والأولوية لمتطلبات الفاعلية ذات المردود الاقتصادي سواء للفرد وللمجتمع وللدولة وبصيغة استدامة النمو. لا يمكن أن تنحصر الجهود في تلقين معارف توقفت عن التطور واستيعاب وإضافة ما استجد ويستجد يوميا بصورة مذهلة.
تساءلنا في الاجتماع: «تعليمنا إلى أين؟ عنوان مشترك وسؤال أطر رؤية وزير أسبق هو د. محمد الأحمد الرشيد رحمه الله، يستذكره اليوم وزير جديد هو د. أحمد العيسى. وكلاهما مرب برؤية تربوية واضحة. هل يمكن أن يتغير الوضع ليستطيع المسؤول تنفيذ الرؤية على أرض الواقع؟ أم سنجد أنفسنا عام 2036 نطرح نفس التساؤلات؟
رأيت في السؤال عمقا يشوبه تشاؤم؛ ولا ألومه فقد مررنا بتجربة عقود سلبية وجهتنا إلى الخلف بدلا من الأمام، وخنقت أي محاولة للتحرك قدما واستعادة المرونة والنمو ومواكبة الحاضر والتأهب للقادم. ولكني أرى أننا على مفترق واعد؛ ليس فقط لأننا كمجتمع وقيادة نرى الآن وبوضوح ما جنيناه من التهادن مع زراعة بذور الجمود في ركود لا يسمح إلا بنمو الطحالب السامة، بل أيضاً لأننا تعدينا ثقافة تقبل التحكم السلبي والتشبث بمبدأ اكتمال المعرفة، وتلقينها للأجيال.
شخصياً أفهم برنامج التحول، وأدعم تخطيط التعليم بكل ما لديّ من مهارات ودعاء وتحفز للبناء. لنشرع الأبواب للمستقبل. لا وقت للانتظار.