د. عبدالعزيز بن ناصر الشثري ">
إنّ التغيرات الجوهرية التي تمر بها سياسة التعليم بالمملكة العربية السعودية في ظل القيادة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله -, وفي ضوء مواكبة نظامنا التعليمي للأنظمة التعليمية المتطورة والمتميزة، فإنه أصبح لزاماً على مؤسسات التعليم المختلفة - ومنها التعليم الجامعي- أن تمتلك أنظمة حديثة لتقويم الأداء المؤسسي بها وفق مؤشرات محددة كمية وكيفية، ووفق آليات محددة في كل أبعاد العمل بالجامعات، وبما يضمن قياس أداء كل فرد من منسوبي الجامعات، وكذلك أداء كل وحدة من وحداتها، والاستفادة من نتائج القياس في ضمان تحقيق إستراتيجيات الجامعات بفعالية، وتطوير أدائها، بما يحقق جودة الأداء بها، وزيادة قدرتها التنافسية المحلية والعالمية.
ونظراً لأن كثيراً من الجامعات السعودية تركز جهودها في الدور التعليمي أكثر من دورها في البحث العلمي وخدمة المجتمع، ولهذا أصبحت غير قادرة على مواجهة المنافسة القادمة من الجامعات الأجنبية ذات الحركة الأسرع والمرونة الأقدر على التكيف، إضافة إلى أن نسبة غير قليلة من خريجيها دون المستوى المطلوب من الكفاءة العلمية والفنية، وأصبحت عمليات تطوير البرامج التعليمية الجامعية ومناهجها وتحديثها لا تسير كما ينبغي لها، وتتطلب في مجملها مراجعة وتحديثا شاملين، لكي تواكب الجامعات بها مستويات ومعايير أداء المؤسسات الجامعية والبحثية العالمية، ولتعاود استرداد زمام المبادرة، والاهتمام بإعداد وتخريج باحثين قادرين على مواكبة ما يستجد في مجالهم ويبدعون فيه.
وهذا ما أكدته بعض الدراسات أن (70%) من عدم نجاح المديرين التنفيذيين في إدارة مؤسساتهم لم يكن بسبب الإستراتيجية الضعيفة، لكن بسبب التنفيذ الضعيف للإستراتيجية، ويتمثل في أربعة معوقات رئيسة تحول دون تنفيذ الإستراتيجية, هي: عائق متعلق بالرؤية؛ حيث إنه يفهم الإستراتيجية (65%) فقط من العاملين، وعائق متعلق بالأفراد؛ أي إن الأفراد الذين لديهم حوافز لتنفيذ الإستراتيجية يمثلون (25%) فقط، وعائق متعلق بالإدارة، فقد كان (85%) من فرق التنفيذ بالمؤسسة يقضون أقل من ساعة كل شهر في مناقشة الإستراتيجية، وعائق متعلق بالموارد حيث إن (60%) من المؤسسات لا تقوم بربط الجانب المالي بالإستراتيجية، ولهذا فإن العبرة ليست بوضع السياسات وصياغة الإستراتيجيات، ولكن العبرة بمدى القدرة على تنفيذ تلك الخطط والبرامج المنبثقة منها، ومدى الجدية في التنفيذ والمتابعة والتقويم، ومدى القدرة على الاستمرار والاستقرار طالما كانت الظروف المحيطة مستمرة ومستقرة.
ولهذا فإن مدخل الأداء المتوازن يمثل نموذجًا تجميعيًا للإستراتيجية العامة للجامعة، والذي من خلاله يسمح لمنسوبيها بالتعرف على مقدار إسهام كل منهم في نجاحها؛ فمن دون هذا المدخل لا يمكن لمنسوبي الجامعة والأقسام داخلها أن يحسّن كل منهم أداءه، كما أنهم لن يستطيعوا أن يساهموا مجتمعين في تحقيق الأهداف الإستراتيجية للجامعات، كما أن هذا المدخل يحقق تفاهمًا مشتركًا داخل كليات الجامعة وأقسامها نحو تحقيق الأهداف والغايات، ومن ثم فإنه نظرًا لأهمية تحديد الأهداف وما يرتبط بكل منها كمؤشرات لقياس مستوى تحقيق الهدف؛ أصبح من الأهمية ربط مقاييس التقييم المتوازن للأداء مع إستراتيجية الجامعة.
ويمكن أن يتم تقويم الأداء المؤسسي للجامعات باستخدام مدخل الأداء المتوازن، وفق أربعة أبعاد رئيسة تحقق التوازن بين الأبعاد المالية وغير المالية، وهذه الأبعاد كالتالي:
) بُعد التعلم والنمو: ويتضمن التنمية المهنية للعاملين (إداريين وأكاديميين) بالجامعة باستخدام أحدث الأساليب.
) بُعد العمليات الداخلية: ويتضمن سعي الجامعة نحو تحقيق التميز في عمليات التعليم والتعلم على المستوى المحلي والعالمي، والتميز في عمليات البحث العملي.
) بُعد المستفيدين: ويتضمن سعي الجامعة نحو تحقيق الرضا الوظيفي لجميع العاملين بالجامعة، وتحقيق رضا الطلاب عن الخدمات التعليمية والإدارية التي تقدمها الجامعة، والرضا عن جودة عملية التدريس والإرشاد الأكاديمي، وتحقيق رضا أولياء الأمور والمجتمع عن الجامعة وثقتهم في أدائها.
) البُعد المالي: ويتضمن الاستثمار الأمثل للموارد المادية المتاحة للجامعة، وكذلك ترشيد استخدام الموارد المالية, وتوجيهها التوجيه الصحيح وفقاً لأولويات العمل الجامعي، والسعي نحو نمو عائدات الخدمات المختلفة التي تقدمها الجامعة للمجتمع، تحصل من خلالها على دعم مالي يتمثل مثلاً في ( كراسي البحث العلمي، الاستشارات العلمية) وذلك على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي لكي يساعد الجامعة في تنفيذ إستراتيجياتها، وفتح برامج التعليم الموازي التي تقدمها الجامعة، وزيادة التوجهات الإنتاجية والاستثمارية بالجامعة.
كما ويساعد مدخل الأداء المتوازن الجامعات على زيادة ودعم قدراتها على المنافسة في العصر الحالي الذي يتطلب أن تقوم بالارتقاء بمستوى العمل وجودته لتحقيق مكانة متميزة بين نظيراتها على المستوى المحلي والعالمي
ولذا فإن مدخل الأداء المتوازن سيضمن للجامعات السعودية تنفيذ إستراتيجيتها بنجاح، من خلال تفهم جميع منسوبي الجامعة لإستراتيجيتها، وتفهم كل منهم لدوره وإسهاماته في تحقيق إستراتيجية الجامعة، وإدراكه للخلل الذي يمكن أن يحدث في حال تقصيره عن أداء واجباته وفق البطاقات التي تعد وفقا لهذا المدخل، كما أنه سيضمن التوازن بين أبعاد العمل المختلفة بالجامعات: التعلم, والنمو، والعمليات الداخلية، والعملاء، والبعد المالي.
- أستاذ الإدارة والتخطيط التربوي بجامعة الإمام