غسان محمد علوان
تواصل مسلسل هروب وتخاذل لاعبي أنديتنا من التشرف باللعب لمنتخبنا الوطني. هذا الهروب المتكرر والتخاذل عن الحضور أخذت وتيرته تنحى منحنىً متصاعداً من فترة ليست بالقصيرة وستستمر ما دامت عقلية لاعبينا ترزح تحت عوامل (الجهل الرياضي) والعشق الوطني الحقيقي وملاسنات المتعصبين في كل المعسكرات التشجيعية في بلادنا الحبيبة. الجهل الرياضي الذي وقع فيه لاعبونا هو التفريق بين المشاركة مع الأندية والمنتخبات، فالمنتخب هو ثمرة اللعب للأندية، هو طموح الجميع ليضع اسمه بين صفوة اللاعبين الذين يصلون لدينا للآلاف إن لم يكونوا بعشراتها. ليس ذلك وحسب، بل إن الأكثر إنجازاً هو المحافظة على التواجد بالقائمة، واللعب أساسياً للمنتخب. أما العشق الوطني الذي نعنيه، فهو فرصة تمثيل الوطن في أي محفل وفي أي مجال، بل إن غير المنتمين للرياضة يحسدون هؤلاء الرياضيين على تلك الفرصة التي لا تتأتى للكثير من المجالات.. ففي مختلف المجالات الحياتية، يطمع الطبيب والمهندس والكاتب والمعلم والإداريون ورجال الأعمال أن يكونوا في تجمُّعٍ ما يجمع مماثليهم من ممارسي عمله ومن مختلف الجنسيات ليقف أمامهم بكل فخرٍ وعزة ليقول: أنا ممثل المملكة العربية السعودية. هي فعلاً فرصة نادرة، ولكن من هو ذاك الذي يعي قيمتها.. وبالطبع نجد هؤلاء اللاعبين متأثرين بما يتناقله المتعصبون من إعلاميين أو جماهير.. فنجدهم تارة يقتنعون أن المنتخب حكرٌ على فريق بعينه، أو أن انضمامهم ما هو إلا لإجهادهم وتعطيلهم عن تمثيل أنديتهم، أو أنه مكان مناسب لتأهيل منافسيهم بعد عودتهم من إصابةٍ ما أو انقطاعٍ. ذلك التشرُّب التعصبي اللا منطقي الذي اغتصت به عقول لاعبينا أنتجت لنا جيلاً لا يخشى التصريح بسعادته لعدم ضمه للمنتخب.. وأحد تلك الأمثلة كان اللاعب الدولي السابق خالد الغامدي الذي صرح تلفزيونياً على قناة إم بي سي وفي برنامجها الأكثر متابعة في الوطن العربي بأكمله (صدى الملاعب) بالتالي:
(المنتخب لن يضيف لي أي شيء، فقد تم استدعائي له سابقاً وحصلت على لقب (لاعب دولي)، وهذا كل ما يعنيني).
أين الحرص على الاستمرار في تمثيل المنتخب؟
أين الرغبة في تحقيق منجز أو بطولة؟
أين الرغبة في إبراز اللاعب لنفسه أمام العالم في مناسبات دولية ليستمر الحلم بلاعبين سعوديين في دوريات أجنبية أقوى من دورينا؟
كل تلك الأسئلة لا تعني شيئاً أمام جيل كامل لم يحقق أي شيء، بالفعل لم يحقق أي شيء.. ورغم ذلك تجده يتحدث بصيغة البطل المتخم بالبطولات والإنجازات.
خالد الغامدي ليس الوحيد الذي يملك تلك القناعة، بل ويشاركه فيها الكثير من لاعبينا، ولكنه الوحيد (على حد علمي) الذي خلع رداء المنطق والكياسة ليتبجح بعقلية ساذجة رغبة منه بوصمه بالشجاعة.
اتحادنا الموقر ولجانه الموقرة، يجب أن يكون لها دور حاسم في وقف تلك التجاوزات المعيبة بحق منتخب الوطن.
فاستبعاد لاعب عن المنتخب وهو لا يرغب بالانضمام ليست بعقوبة، بل هي مكافأة له وتحقيقٌ لحلمه.. وفي ذات الوقت يجب أن تكون العقوبة مؤثرة على اللاعب نفسه لا على فريقه، الذي قد يكون منضبطاً ومتألقاً معه. فالعقوبات المالية والحرمان من المنتخب للأبد والحرمان من التكريم مع فريقه في أي مناسبة كروية وعدم صعوده للمنصات للتشرف بالسلام على راعي المباريات النهائية له وقعٌ أقوى وأشد تأثيراً عليه من استبعاد مؤقت في وقت لا توجد من الأساس مشاركة دولية للمنتخب.
أعيدوا للمنتخب هيبته وقيمته في نفوس لاعبيه، ليعود شامخاً كما كان.. أما الطبطبة على أكتاف المتخاذلين عن خدمته، ستزيد من عددهم لنصل إلى حد لا نجد 11 لاعباً يمثلونه في المباريات.
خاتمة
ما هو الوطن؟ ليس سؤالاً تجيب عليه وتمضي.. إنه حياتك وقضيّتك معاً.
(محمود درويش)