هاني سالم مسهور
إعلان المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد عن قبول الحوثيين لتنفيذ القرار 2216 وتطبيق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني هو بالتأكيد منعطف مهم، وإذا قرأنا بموضوعية حيثيات ما حصل خلال الأسابيع الأخيرة سنصل إلى أن الأطراف اليمنية باتت على اقتناع بعدم قدرتها على حسم المعركة العسكرية، وأن الحوثيين وشريكهم المخلوع صالح عجزوا بعد دحرهم من العاصمة الجنوبية عدن في 14 يوليو 2015م من أن يتقدموا خطوة واحدة بل خسروا كل المحافظات الجنوبية والأهم هو خسارتهم «باب المندب» وأن احتفظوا بمساحة جغرافية في المحافظات الشمالية لكنهم في المقابل تكبدوا خسائر فادحة على مختلف الأصعدة.
الملف اليمني الذي نجحت فيه المملكة العربية السعودية -تحديداً- في أنها جنبته التداخل مع الملفات الإقليمية الملتهبة رغم أن الحوثيين وشريكهم المخلوع استماتوا على أن يكون الملف اليمني هو (كرت) قابل للمقايضة السياسية بين الملفات الأخرى وعلى رأسها الملف السوري، جزئية تجنيب الملف اليمني والنأي به عن الملفات الأخرى يضاف إلى نجاحات متواصلة للقيادة السعودية في إدارتها للأزمة اليمنية برغم المحاولات التي استمرت، خاصة من طرف المخلوع صالح، لاستمالة روسيا، لكنه فشل في عدم إدراك منه أن القرار الصادر في 14 أبريل 2015م من مجلس الأمن الدولي (2216) صدر بامتناع روسيا ليس لمعارضتها السعودية بل لأن موسكو عجزت عن الوقوف أمام النفوذ السعودي في مواجهة المشروع المضاد.
الكويت من جديد تعود إلى المشهد اليمني لنستذكر 1979م فلقد شهدت المناطق الحدودية بين اليمن الشمالي والجنوبي سابقاً توتراً عسكرياً استخدم فيه السلاح الثقيل وتحركات وحدات عسكرية تابعة لليمن الجنوبي تجاه الأراضي الشمالية من اليمن، مما دعى دولة الكويت لاستضافة الرئيسان عبدالفتاح إسماعيل وعلي عبدالله صالح وتنجح في نزع فتيل الحرب ويتعهد الطرفان بالتهدئة وإنهاء الصراع المسلح بينهما، تعود الكويت لتستضيف المشاورات اليمنية في 18 أبريل 2015م تحت بند عريض هو (اختبار نوايا أطراف النزاع اليمني) ومدى قدرة هذه الأطراف ليس فقط لمجرد العودة إلى الحوار السياسي بل لمعالجة آثار هذه الحرب الطائشة التي باتت مسؤولية أكثر أهمية حتى من الانتقال السياسي نتيجة الأوضاع المأساوية التي يعيشها ملايين السكان المتضررين.
أياً كانت التنازلات وحتى الترتيبات، خاصة تلك التي تبحث عن المخرج الآمن للمخلوع صالح من اليمن، فإن الأهم على الإطلاق هو أن يتحمل الوطنيون اليمنيون مسؤولياتهم التاريخية فليس من المنطق تكرار الأزمات اليمنية وعدم التعلم من نتائجها الكارثية التي توالت على اليمنيين وصنعت بهم المآسي على مدار عقود طويلة تكررت فيها استعادات الأخطاء السياسية بعدم قدرة اليمنيين لمعالجتها بالطريقة الصحيحة مما يؤدي دائماً لتكرار تلك الحروب والصراعات في متلازمة يمنية خالصة.
أن يخرج المخلوع صالح بحصانة جديدة فاليمنيون سيكونون هذه المرة أكثر وجعاً من تلك التي حصلت في 2011م بعد أن أوجدت المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية مخرجاً آمناً لشخص لم يكن يستحق المحاكمة على جرائمه في ثلاثة عقود من عمر اليمن، وإذا كانت جرائمه بحق الجنوبيين تصل إلى انتهاكات ترتقي للجرائم التي تستحق المحاكمة أمام المحاكم الدولية نظيراً لبشاعتها وتأثيراتها العميقة.
تبدو مسألة المخلوع صالح هي أكثر المسائل تعقيداً في التسويات السياسية، وتبدو هذه المهمة هي الأكثر صعوبة عند أي معالجة، فالشعب اليمني لم يتوحد يوماً مثلما هو متوحد ضد المخلوع علي عبدالله صالح كنتيجة طبيعية لما أوغل فيه البلاد من كوارث، ورغم أنه تعمد على ما اعتدنا عليه كمراقبين للمشهد السياسي اليمني أن يختار توقيت زماني محدد وهو مع إعلان المبعوث الأممي ولد الشيخ عن الترتيبات السياسية المتوافق عليها في المؤتمر الصحفي ليخرج هو ليمارس عاداته وتقاليده الهزيلة موجهاً خطابه المأزوم تجاه المملكة العربية السعودية ناكراً جاحداً أفضلها عليه يوم أخرجته مما أصابه من حريق جسده في جامع النهدين لتعالجه وتعيده للحياة في كرم منها وتمنحه خروجاً آمناً رفض بما يمتلكه في ضميره من شر وحقد أحرق به الشعب وكل ما حوله.
إبريل 2016م سيكون محكاً سياسياً صعباً لليمنيين سياسيين وغيرهم، فالجلوس على الطاولة الواحدة في الكويت بالطريقة والتقاليد اليمنية العريقة التي لا تعترف بغالب ولا مغلوب ستكون هي المسافة إما لترحيل الأزمات أو أن يختار اليمنيون الكويت لمعالجتها هناك!!