د. حمزة السالم
مصطلح اختلاف رأي، عبارة أضيفت لعبارات التمويه والتهرب من تحمل المسئولية أو الاعتراف بصواب المناظر. فليس بصحيح أنّ كل قول مخالف هو اختلاف رأي، ما لم يكن مبنياً على حقائق ومنطق استنباطي استشهادي صحيح.
فانكشاف البنوك في اكتتاب الأهلي، واقتراض الحكومة من نفسها عشرين عاماً، ليس برأي مخالف، بل هو قول واحد. ولو كان للمخالف حُجة لجهر بالقول في العلن ولرد على هذا. ولكنه أسرّه إسراراً في المجالس خِفية وخُفية، تأسياً بمشايخ الصيرفة وتلبيسهم على الناس بعبارة اختلاف في الرأي، في موضوع عدم ربوية النقود.
فإن كان مشايخ الصيرفة يحتمون بقدسية الدين في خداع الناس، فإنّ بعض المسئولين يحتمي بثقافة السرية للتلبيس على من هو أعلى منه منصباً.
فالمناظرات المطروحة ليست في مناطق ضبابية، فمثلاً اقتراض الحكومة من نفسها، دلائله الرقمية تكفي لإثبات أبعد من ذلك، كما يدعمه واقع تلك الحقبة. فالإحصائيات الرسمية تخبر أنّ القاعدة النقدية للريال السعودي زادت خلال العشرين عاماً بنسبة أكثر من 500%. فقد زاد مقدار القاعدة النقدية عام 2003م بمقدار 238 مليار ريال عن بداية عام 1984م. كما إن عرض النقود في مستوياته الثلاثة زاد بأكثر من ترليون ريال. وهذا يعني فشل هدف تخفيض المعروض النقدي بالاقتراض الحكومي. ويشهد لذلك: أن الإنفاق الحكومي تناقص نحو 300 مليار خلال العشرين عاماً. كما يشهد له أن مجموع الإنفاق الفعلي زاد عن عرض النقود الأول بنحو ترليون ونصف، وعن عرض النقود الثاني بنحو 200 مليار، فهذا يحكي أن الاقتصاد السعودي كله وبلا شك قائم على الإنفاق الحكومي، بل يحكي أكثر من ذلك. فإذا أضفنا ما مضى كله من الشواهد إلى الشاهد الذي يوضح أنّ الإنفاق الحكومي من عام 1994م إلى نهاية عام 2003م ( أي عشرون عاماً فترة هبوط النفط الأول) زاد في مجموعه عن أربعة تريليونات ريال، بينما في المقابل زادت مشتريات المملكة وتحويلاتها للخارج عن الأربعة تريليونات بمقدار 750 مليار ريال، (أي أنّ ما خرج من النقد السعودي زاد بنسبة 20% تقريباً عن الإنفاق الحكومي)، تأكدنا أنّ الاقتراض المحلي كان مجرد تسجيل دين على الحكومة لكي تقوم هي بدفعه من مواردها الأجنبية، أي أن الحكومة لعشرين عاماً كانت تقترض من جيبها.
وهذا موضوع يجب أن لا يتهاون فيه، فيُميع بتصريفات المسئولين المختبئين خلف الأسوار. ومثله كذلك انكشاف البنوك في اكتتاب الأهلي. فهذا لا يجادل فيه عاقلان ولا يتناطح فيه عنزان، وهو أظهر من أن يُعاد الاستشهاد له. ولو كان في ثقافتنا احترام للعقل لما تجرأ على محاولة التلبيس حوله. ولكن في ثقافتنا، لا يستحي الرجل أن يقول ما ليس بصحيح وأن يجادل بلا منطق، فالعقل لا احترام له.
والذي استجلب هذا اليوم، حديث صديق عن خطر استنزاف الاحتياطيات مع بداية عمليات إعادة بناء اليمن، إذا كانت نفس الطرق القديمة هي التي ستُتبع.
إنّ إعادة بناء اليمن بالثروة السعودية، تحتاج إلى فكر اقتصادي جديد بعيد عن التنظيرات الاقتصادية الغربية. فاقتصاديات بناء أوربا بالثروة الأمريكية لا يصلح أن يطبق عندنا، فأمريكا وأوربا كلاهما منتج صناعي متقدم. والمستشار الأجنبي لن يأتي بجديد ولن يستطيع. فبيئتنا الاقتصادية بيئة خصبة للإبداعات، وهذا يجعل أبناءها أكثر تعرضاً لإيجاد الحلول الجديدة، متى تمكنوا من فهم علوم الحلول القائمة مع تحررهم من رق التبعية للمتقدم في العلوم الحديثة.
متى تجرد الإنسان من العاطفة بمفهومها الواسع، وأصبح موضوعياً منطقياً جبلة لا استحضاراً، تكشفت له أمور كثيرة وأصبح قادراً على الحكم على مدى صحة قراره.