د. عبدالرحمن الشلاش
لم يكن الراحل الدكتـور عبدالرحمن الوابلي يرحمـه الله بالنسبة لي مجرد أديب أو مؤرخ أو كاتب موسوعي بل كان زميل دراسة في ثانوية بريدة، تلك المدرسة العريقة التي جمعت في فصولها أبناء المدينة الطامحين لمواصلة دراساتهم الجامعية والعليا داخل وخارج المملكة لذلك تخرج من بين طلابها الدكاترة والأطباء والمهندسون ورجال الأعمال والمثقفون والكتاب وغيرهم.
زاملت الراحل في الصف الأول الثانوي فقد كان الطلاب يوزعون في الفصول حسب الحروف الأبجدية فكنا في فصل واحد، وعندما انتقلنا إلى الصف الثاني اتجه للقسم الأدبي في حين اتجهت للقسم العلمي ففرق الميل بيننا قسرا لكن ظلت العلاقة قائمة إلى حين قرب رحيله المفاجئ, أذكر أنني حين سألته في ذلك الوقت لماذا لم تذهب إلى القسم العلمي مع معظم الزملاء قال لي إنه يحب مادة التاريخ كثيرا وكأنه قد حدد اتجاهه فواصل الطريق والمشوار العلمي في التخصص الذي يعشقه، وبعد أن غادر إلى أمريكا كانت تصلني أخباره عن طريق قريب لي كان يدرس الدكتوراه معه في نفس الولاية، وكان هذا القريب حين يعود للمملكة في إجازة وأقابله صدفة كان يبلغني سلام عبدالرحمن وكان يقول لي يسلم عليك «خويك» عبدالرحمن الوابلي مع ابتسامة معبرة فقد كان عبدالرحمن يتمتع بروح مرحة لا يعرفها سوى من عاشوا معه أو زاملوه، وكانت لديه أراء وقناعات لا تروق للبعض بينما تنساب في مجالسه فتجد القبول أو حتى الاختلاف من الحاضرين دون شد أو توتر.
بون كبير بين عبدالرحمن الوابلي طالب ثانوية بريدة، و عبدالرحمن الوابلي الدكتور الأكاديمي في كلية الملك خالد العسكرية والمثقف والكاتب الصحفي والدرامي, في ثانوية بريدة لا تكاد تسمع صوته إلا من قفشات عابرة يتميز بها بينما يظل طوال وقته سادرا في هدوء عجيب وصمت محير، وحتى إن تكلم فبضع كلمات هي من ضرورات وصول الرسالة، كان يحتفظ بكثير من مواهبه وربما لم يكن يرغب البوح بما لديه في تلك الفترة، أما عبدالرحمن الوابلي الكاتب فكان كالبركان إذ عرى بقلمه كثيرا من العيوب الاجتماعية، والأخطاء الفادحة التي ترتكب باسم الدين، وكشف النقاب عن أولئك الذين يتخذون الدين مطية لتحقيق مصالحهم الدنيوية وما أكثرهم في هذا الزمن الصعب، وفي وقت نحن أحوج ما نكون لتلك العقول التي تكافح لتصحيح الأخطاء من أجل الوصول لمجتمع أفضل.
آخر لقاء جمعني بالراحل كان في مدينة بريدة قبل ثلاث سنوات تقريبا وتحديدا في منزل العزيز رجل الأعمال والوجيه المهندس عبد الله الرواف عند احتفائه بالوفد السياحي الزائر لمنطقة القصيم فوجدته كما عهدته أيام الدراسة بروحه المرحة واحترامه للآخرين، و كان ضمن الحضور شقيقه الأكبر الصديق عبد الله الوابلي «أبو يوسف» عضو مجلس منطقة القصيم.
رحل عبدالرحمن إلى جوار ربه وعفوه ورجاء رحمته وغفرانه، وهو في رحلته ليس بحاجة للحصول على صكوك غفران من أحد من الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على الخلق يحجبون الرحمة الإلهية عن كل من يخالفهم أو يكشف مساوئهم ويعريهم أمام مجتمع بات أكثر وعيا من ذي قبل.