تشدد البنوك مع ازدياد مبيعات الآجل يدفع قطاع التجزئة نحو «الإفلاس» ">
إعداد - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية بـ«الجزيرة»:
تصل نسبة البيع النقدي في الأسواق النامية أو المتقدمة إلى حوالي 70-80%، مقابل نسبة في حدود 20-30% للبيع الآجل .. وكل بيع آجل يترتب عليه رصيد ذمم مدينة بالقوائم المالية.. هذا الرصيد كانت تغطيه الشركات من مواردها الذاتية غالبا وجزء صغير منه كانت تلجأ للاقتراض من البنوك لتمويله.
مع إطلاق موازنة عام 2016م، تم الإعلان عن سياسة ترشيد الانفاق، والتي بمقتضاها سيتم رفع بعض نسب الدعم عن قطاعات وأنشطة كانت تنفق عليها الدولة.. فضلا عن تخفيف ميزانيات الحكومة كمشتري رئيسي من بعض الأنشطة مثل البناء والتشييد والمقاولات والتشغيل والصيانة.. أي أنه سيتم هيكلة جزئية بمقتضاها سيلعب القطاع الخاص الدور الرئيسي في عجلة النشاط الإنتاجي والخدمي.. وتشير التوقعات الاقتصادية، إلى أن هذا الاحلال سيتم بالتدريج خلال السنوات الثلاثة المقبلة .. ومن ثم فإن الدورة الاقتصادية ستكون هي دورة نشاط ما بين القطاع الخاص-القطاع الخاص.
سياسة ترشيد الإنفاق
سياسة ترشيد الانفاق هي سياسة يفرضها الواقع الراهن، ومن المتوقع أن تترك تأثيرا جوهريا يتمثل في تباطؤ معدلات التدفقات النقدية لقطاعات البناء والتشييد والمقاولات، نتيجة تقليص الدولة لإنفاقها على بعض الأنشطة، والتي سيترتب عليها «تباطؤ» دورة السيولة النقدية الحكومية في السوق عموما.
فالدولة استمرت في احتضان قطاعات وأنشطة اقتصادية لفترات طويلة، على رأسها قطاع البناء والتشييد والمقاولات، والذي كثير من شركاته لم تعد تتعامل إلا مع الحكومة، في ضوء استمرار الزخم الحكومي العالي والسيولة النقدية الحاضرة، حتى اعتاد هذا القطاع على طريقة تشغيل برفاهية مفرطة. الآن، لم تعد هذه الطريقة متاحة في ضوء التراجع النسبي للأسعار العالمية للنفط ومن ثم انخفاض الإيرادات الحكومية.
السؤال الأهم هو ألا يفترض أن ينضج هذا القطاع من حضانته لفترات طويلة ؟ ألم يستفد من الزخم الحكومي القوي لسنوات طويلة ؟ ألم يبني احتياطيات جيدة تكفي لمواجهة معطيات الفترة الحالية ؟
من جانب آخر، يعتبر البعض قطاع البناء والتشييد والمقاولات بمثابة الحلقة الوسيطة بين بقية منشآت القطاعين الخاص والحكومة، حيث أن الانفاق الحكومي غالبا ما يتم ضخه في البناء والتشييد والمقاولات والذي يلعب دور الناقل لبقية القطاعات التي تقوم بتغذيته من صناعات صغيرة ومتوسطة وغيرها. وعليه، فإن التوقعات تدور حول احتمال حدوث «تباطؤ لتدفقات السيولة النقدية في السوق».
قطاع التجزئة السعودي في المرتبة الـ17عالميا
أي نشاط اقتصادي مرتفع ينتج عنه إيرادات ودخول عالية للمنشآت والأفراد، يتم ترجمته في المزيد من الانفاق على قطاع التجزئة. فقد وصل حجم مبيعات التجزئة عام 2015م إلى حوالي 385 مليار ريال، فيما ينمو سوق التجزئة سنويا بمعدل يناهز 6.5%، وتشير التوقعات إلى أن حجم مبيعات التجزئة ستصل في 2016م إلى حوالي 407 مليار ريال، والسوق السعودية توصف بأنها الأعلى نشاطا للتجزئة بمنطقة الشرق الأوسط كما أنها تحتل المرتبة الـ 17 عالمياً، وهي سوق قادرة على استيعاب أغلى العلامات التجارية.
ويصل ناتج قطاع التجزئة والجملة بالمملكة إلى حوالي 267 مليار ريال حسب احصائيات عام 2014م، وهي القيمة الأعلى حتى من القطاع الصناعي التحويلي، ويمثل ناتج التجزئة والجملة حوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي، حيث حقق نموا بنحو 80% خلال السنوات الخمس (2009-2014م)، بمعدل سنوي مقداره 16.1% بالأسعار الجارية.
قطاع التجزئة والبيع الآجل
قطاع التجزئة، كان ولا يزال مستمرا في البيع بالشكل النقدي إلا نسبا ضئيلة كانت تتم في الشكل الآجل.. والبيع الآجل له شكلان : بيع آجل لأفراد وهو ما يعرف بالبيع بالتقسيط، وبيع لشركات وهو البيع مع تأجيل السداد لأجل معين، وهذا البيع الآجل كانت المنشآت لا تقبل أن يزيد عن 20% في السابق، ومع تباطؤ دورة السيولة النقدية بالسوق حاليا، ظهرت دلائل على ارتفاع معدلات البيع الآجل إلى ما يناهز 50%، بل تشير التوقعات إلى أن هذه النسبة يمكن أن ترتفع إلى 80% في ضوء ضخامة حجم الاستثمارات بقطاعات التجزئة وتراكم المخزون، وربما طبيعة كثير من المنتجات لا تسمح بتخزينها أو تأخر بيعها.
بعض المنشآت لم تدرك هذا الواقع، وبدأت تحقق خسائر لاستمرارها في التمسك بالواقع القديم «البيع النقدي»، البعض يترجم بشكل خاطئ أن السوق أصبح لا يدعم منتجاتي أو أن هناك تغيرا في الأذواق، ولكن في الحقيقة أن التغيير الرئيسي هو تباطؤ دورة السيولة النقدية الحكومية والتي تسببت في تباطؤ دورة السيولة النقدية للقطاعات الرئيسية في السوق وعلى رأسها البناء والتشييد والمقاولات والتي تركت تداعياتها على بقية قطاعات السوق، إذ تصب جميعها في تأخر دورة مبيعات التجزئة عموما.
المصارف وتمويل البيع الآجل
الآن مع ازدياد حجم مبيعات الأجل في التجزئة، بدأت تظهر «فجوة النقدية» والتي أجبرت المنشآت لرفع رصيد الذمم المدينة لديها، والتي تحتاج إلى تمويل.
كثير من المنشآت، غير مؤهلة، أو لا تستطيع تمويل هذه الذمم من مواردها الذاتية. لذلك، فهي في احتياج قوي للاقتراض من المصارف. والأمر المستغرب، أن تتبني البنوك سياسات ائتمانية متشددة في هذا الوقت، لأن تشددها سيضع هذه المنشآت بذممها المرتفعة في مأزق حقيقي قد يتسبب في إعلان إفلاسها بالنهاية.
وتوجد مطالبات قوية الآن بأن يتدخل القطاع المصرفي بمساندة وتغطية فجوة السيولة النقدية أو تباطؤها، والذي نعتقد بإذن الله أنها ستكون لفترة قصيرة من الزمن حتى تتعافى أسعار النفط ويعود الزخم من جديد، أو حتى يعتاد السوق على معطيات الدورة الاقتصادية الجديدة (القطاع الخاص-القطاع الخاص).
ظواهر جديدة بالتجزئة
بلا شك أن طبيعة الفترة يمكن أن تتمخض عن ظواهر سلبية يمكن إبراز بعضها بروز ظاهرة حرق السلع، من خلال الشراء بالتقسيط ثم اللجوء لبيعها بأسعار نقدية أقل عن سعر الشراء، وذلك للحصول على نقدية حاضرة، فضلا عن تزايد حدة المنافسة على البيع الآجل بشكل يرفع فترة الأجل من آن لآخر، حتى يصل الأجل إلى سنوات أكثر من شهور، بشكل قد يتسبب في زيادة وطول فترة تأخر السيولة .. أما الظاهرة الأكثر سلبية، فهي ارتفاع معدلات الإقبال على السلع الأقل جودة وذات الأسعار المتدنية ، بشكل يؤثر سلبا على العلامات التجارية الفاخرة.