محمد آل الشيخ
الإعلام أصبح اليوم القوة (الناعمة) التي تفوقت في أحايين كثيرة على القوة العسكرية (القوة الصلبة)؛ والسبب أن الإعلام بشتى أنواعه ومنصاته لا يخضع إلى ضوابط دولية أو أممية مثلما هي الحال بالنسبة للقوة الصلبة العسكرية. وقد أتاحت المخترعات الجديدة في حقل الإعلام الفضائي عبر الأقمار الصناعية، ومواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت، مجالاً واسعًا، وقدرة للوصول إلى الإنسان في شتى بقاع الأرض، وبلغته المحكية؛ ما جعل الأسوار التي كانت في الماضي تعيق وصول المعلومة أثرًا بعد عين. وأصبحت بالتالي الرقابة والتحكم في الكلمة ومحاصرتها ومنعها عن دخول هذا البلد أو ذاك مطلبًا مستحيلاً؛ وهو ما جعل التماهي مع عصر الإعلام الجديد بالنسبة للحكومات المعاصرة ضرورة ملحة، لا مناص عن التعامل معها مضطرة وليست مختارة. هذا التعامل الجديد تجلى بوضوح في تدني الحساسية من النقد بنوعيه المغرض والموضوعي. وصارت الحكومات - وبخاصة الحكومات العربية - تقبل ما كانت تعتبره في الماضي نقدًا مغرضًا يثير حفيظتها. وأصبحت السرية والكتمان مظهرًا من مظاهر الماضوية وربما التخلف، أمام مطالب الشعوب من حكوماتها بالشفافية والإفصاح والوضوح التي هي اليوم بمنزلة الدرع الحصين أمام عدم القدرة على مقاومة تدفق المعلومات من كل حدب وصوب. وهذه حقائق تزداد رسوخًا مع تطور التواصل الإعلامي بين دول العالم وشعوبها.
غير أن بعض الحكومات ما زالت تلجأ إلى إعاقة تدفق المعلومات إلى مواطنيها من خلال الحجب بالنسبة لمواقع الإنترنت، أو التشويش على بث المحطات الإعلامية الفضائية، لكن هذه الأساليب اتضح أنها عديمة الجدوى وعقيمة، ولا يمكن التعويل عليها لحماية الأنظمة السياسية وممارساتها التي تخفيها عن العلن؛ لأن اختراقها أصبحت وسائله متاحة بتكاليف زهيدة.
وهناك من لا يفرق بين الدعاية والإعلام، فما زال كثيرون يعتقدون أن أساليب الدعاية المباشرة، التي أكل عليها الدهر وشرب، هي الإعلام المؤثر، بينما لا قيمة لها اليوم ولا تؤدي الغرض الذي كانت ربما تؤديه في الماضي. فالذي يصر على الأسلوب الدعائي المباشر مثل من يصر على أن يدخل معركة حامية الوطيس متسلحًا بالسيف والنّبل والرماح في مواجهة الدبابة والمدفع والطائرة.
والسؤال المترتب على هذا السياق هنا هو: كيف يمكن التماهي مع شروط الإعلام المؤثر؟.. الجواب بالمختصر المفيد أن تتماهى مع المزاج العالمي المعاصر، وتتلاءم معه قدر الإمكان، وأن تجعل الشفافية والوضوح منهجًا لكل القرارات التي تصدر في بلدك، وتدع الآخرين في الخارج يتعاملون معها كما هي.
ومن الطبيعي في هذا العصر أن ينقسم الناس تجاه بلدك وثقافتك وممارساتك بين مؤيد ومتفهم لأسبابك، وبين رافض ومنتقد لما يصدر عنك من معلومات؛ فمن المتعذر أن يؤيدك ويتفهم ثقافتك ومنطلقاتك الجميع، لكن المهم هنا أن يحترمك الآخر ويتفهم منطلقاتك ودواعي قراراتك أكثر من معارضيك، فإذا وصلت إلى نقطة مؤداها أن من يتفهمون حيثيات ومبررات قرارك أكثر نسبيًّا من الذين يقفون في موقف المناوئ لك فهذا هو المطلوب.
وتذكر المقولة القديمة الجديدة التي تقول: (إرضاء الناس غاية لا تدرك)، وأن تحقق ولو جزئيًّا هذا الهدف فهذا يعني في المحصلة أنك حققت قدرًا مقبولاً من النجاح الإعلامي.
بمعنى آخر: اعمل، ودع الناس يراقبون ما تعمل، ودعهم يشعرون أن ليس لديك ما تخفيه، ولا تتوشح بالسرية والكتمان وتجعلها لك ديدنًا، إلا في حالة الاضطرار، وفي القضايا التي تتطلب موضوعيًّا السرية؛ وبذلك تستقطب قبول الأكثرية من الموضوعيين واحترامهم. أما من لا يرضيه العجب ولا الصيام في رجب كما يقولون، أو الذي ينتقد ويشهّر ليتشفى، فلا تلتفت إليه، ولا تكترث بما يقول.
إلى اللقاء