خالد بن حمد المالك
مع كل حديث أو تصريح يدلي به ولي ولي العهد، يمتد تفاؤله المعلن بمستقبل المملكة الواعد إلى كل مواطن، يقتل ما يقوله سموه ما قد يكون بداخل كل منا من أوهام، يقضي على الشكوك، يكرِّس التفاؤل لدينا، يمحي من خارطة متابعاتنا ما نسمعه أو نقرأه للمرجفين والمحبطين وذوي النوايا السيئة، ممن يحاولون زرع الأشواك في طريق تقدمنا، بينما يأتي كلام الأمير الجميل وكأنه يزرع الورود في الطرقات وميادين التقدم لتحقيق ما هو أجمل.
***
هكذا هو محمد بن سلمان لمن يتابعه، ويتواصل مع رؤاه، لمن يتعمق في قراءة أفكاره وطموحاته ويربطها بإنجازاته، مدعوماً ومسانداً من ملك حكيم وخبير يعرف حجم قدرات سموه وتطلعاته نحو آفاق مستقبلية أفضل للوطن والمواطن، ما أشاح من أجوائنا ما يقوله عنا الأعداء والحاقدون، وبالتالي أفشل كل جهد عدواني يتربص بنا.
***
فمن أحاديثه لنا -رؤساء التحرير- ما لم يُنشر خلال الزيارات الرسمية الخارجية للملك أو لولي العهد ويكون سموه ضمنها، أو في زياراته الرسمية منفرداً، تكون هناك فرصة ليتحدث لنا عن تفاؤله بما يسرّ الخاطر، ويبوح بما لديه من جديد يهمه أن نتعرف عليه، وفي كل لقاء يكون لديه ما يستحق أن يفصح عنه، بالأرقام والإحصاءات، مدعوماً بوجهات نظر متفائلة، ترتكز على المتاح من الإمكانات وفق قراءة مسحية لكل الجوانب التي يتحدث بها وعنها.
***
وجاء التحول الوطني الذي يتبناه الأمير الشاب، ليرسم لنا خريطة متفائلة للوطن في المستقبل، وكأنه يذكِّرنا بأننا أمام بناء اقتصادي طموح لن يعرِّض الوطن للشح طالما أننا نتعامل مع الموارد الأخرى، ولن يجعله رهينة للنفط حيث تقلباته وعدم استقرار سعره وسقف إنتاجه، أو أن يكون عرضة وسبباً في تراجع إيقاع التنمية في البلاد فيما لو أصبح البترول ليس كما هو الآن السلعة الوحيدة والرئيسة التي تعتمد عليها المملكة في الإنفاق على المشروعات.
***
ففي حواره مع وكالة (بلومبيرج) العالمية مؤخراً أفصح عن كثير مما يدخل ضمن إطار هذا التفاؤل الذي نعنيه في عنوان هذا المقال، فالمملكة -كما يقول الأمير- تخطط لتأسيس صندوق بتريليوني دولار لحقبة ما بعد النفط، وتحويل (أرامكو) لتكتل صناعي، مع توجه نحو تنويع الاستثمارات، وأن اقتصادنا لن يكون معتمداً على النفط، وليس لدينا مشكلة حقيقية بانخفاض سعره، فهناك حلول سريعة لجزء من خطة التحول الوطني، وأن المملكة من الآن تعمل على زيادة كفاءة الإنفاق، ومن بين أهم ما قاله الأمير محمد: تستطيع المملكة من خلال صندوق التريليوني دولار شراء أكبر أربع شركات عالمية في البورصة.
***
الأمير محمد لا يتحدث من فراغ، فهو قريب من الملك الذي يرسم هذه السياسة، وما يتحدث به إذاً هو توجيه ملكي كريم يتبنى الأمير تنفيذه بحسب توجيه خادم الحرمين الشريفين، كما أن مواقعه المهمة والكثيرة في مسؤوليات الدولة برئاسته لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وكونه رئيس المجلس الأعلى لشركة أرامكو السعودية، وكونه ولياً لولي العهد، ونائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، ووزيراً للدفاع، كل هذه المسؤوليات تجعل بين يديه هذا الكم من المعلومات التي تمكنه من أن يقول وينفذ بتفاؤل ما قرأناه في حديثه للوكالة العالمية.
***
الأمير محمد في حديثه التفاؤلي هذا وفي غيره لا يكتفي بطمأنة المواطن، والتأكيد على أن المملكة قوة اقتصادية كبيرة بالبترول وبدونه، وإنما يريد أن يكون المواطن أيضاً قريباً من خطط وبرامج التجديد وآفاق التحول الاقتصادي الذي تمر به المملكة، وكأنه يريد من المواطنين أن يكونوا شركاء معه بأفكارهم في كل إنجاز يتحقق، وأن تكون مصادرهم للتعرف على المعلومات الحقيقية عن الوضع الاقتصادي في المملكة باعتمادهم على المرجعيات التي تملك المعلومة الصحيحة ولا تتردد في الإفصاح عنها، والمقصود هنا الجهات الرسمية المعنية بالشأن المحلي.
***
قبل ذلك بفترة كان الأمير محمد قد استقبل الكاتب الأمريكي الشهير «توماس فريدمان»، فكتب الكاتب عن ذلك اللقاء مقالة في «نيويورك تايمز» واصفاً لقاءه بالأمير بأنه غيَّر كثيراً مما كان يعتقده عن المملكة، فقد أخبره الأمير بأن تنظيم داعش ظهر نتيجة للقمع والممارسات الوحشية التي عانى منها أهل السنة في العراق على يد حكومة نوري المالكي، ومثل ذلك سحق نظام بشار الأسد المدعوم من إيران للسنة في سوريا، وبسبب الفراغ الذي خلَّفه الانسحاب الأمريكي غير المنظم من العراق، فأنتج عنه دخول إيران لتعميق الفتنة الطائفية القائمة هناك.
***
يقول «فريدمان» في تفاصيل أخرى عن لقائه بالأمير: قضيت أمسية مع محمد بن سلمان في مكتبه، وبطاقته المتفجرة رسم الأمير أمامي خططه بالتفاصيل، مشروعه الرئيس هو لوحة قيادة للحكومة على الإنترنت، من شأنها أن تعرض كل وزارة أهدافها بشفافية، بمؤشرات الأداء الرئيسة الشهرية التي سيحاسب عليها كل وزير، فكرة الأمير أن تشارك كل أطراف البلاد في الأداء الحكومي، ويضيف أن الأمير أخبره بأن القرارات الكبرى التي كان إنجازها يحتاج من الوزير سنتين يتم تنفيذها الآن في غضون أسبوعين.
***
وعن تفاؤل الأمير الذي اخترناه عنواناً لهذا المقال، ينقل الكاتب الأمريكي الشهير عن سموه في مقاله المشار إليه، بأن المملكة حتى ولو انخفض سعر البترول إلى ما دون 30 دولاراً للبرميل، فسوف يكون للرياض الإيرادات الكافية للاستمرار في بناء الدولة، دون الحاجة لاستنفاد كل الاحتياطيات، فهل بعد هذا القول ما يمكن أن يخالج أي مواطن الشك باستمرار وتيرة العمل والإنجاز بالقوة ذاتها وبالإيقاع الذي هو عليه ودون توقف؟
***
باختصار شديد، ليس الأمير محمد هو الوحيد المتفائل، فكلنا ذلك الرجل - كما يقال - صحيح أن التحديات كثيرة وكبيرة، ولكنها ظاهرة آنية في كل دول العالم، وسرعان ما تزول، وقد مرت المملكة في سنوات خلت بأصعب مما تمر به الآن من انخفاض في أسعار النفط، وتمكنت من التغلب على التحديات التي واجهتها، وواصلت مسيرتها دون أن تتأثر برامجها أو خططها بظروف تقلبات سوق النفط، فكيف لا تتغلب عليها الآن، وهناك عمل وتخطيط بمثل ما تحدث به الأمير المتفائل محمد بن سلمان.
***
مجلة (أيكونوميست) من جانبها هي الأخرى وجهت سؤالاً للأمير مفاده: كونك مسؤولاً عن الدفاع والاقتصاد، وممثلاً للجيل الشاب، ما السعودية التي تريد بناءها؟ يجيب الأمير: «السعودية التي آمل ببنائها، هي السعودية التي لا تعتمد على النفط، السعودية باقتصاد متطور وبقوانين شفافة وذات موقع قوي في العالم. السعودية التي يمكنها تحقيق أحلامها أو طموحها، من خلال توفير حوافز وحكومة مناسبة، نريد سعودية قادرة على الاستمرار، وتضمن مشاركة الجميع في اتخاذ القرار، السعودية التي تعد إضافة جيدة للعالم، وتشارك في الإنتاج العالمي، وتشارك في التصدي للمعوقات والتحديات التي تواجه العالم. أحلامي كوني شاباً سعودياً، ويشاركني الكثير من المواطنين السعوديين، كثيرة، وأحاول التنافس معهم ومع أحلامهم، ويتنافسون مع حلمي، من أجل أن تكون السعودية في وضع أفضل».
***
لهذا نقول من جانبنا عن ولي ولي العهد وبثقة واطمئنان، إنه الأمير المتفائل حقاً، ونحن كذلك.