جاسر عبدالعزيز الجاسر
عكست وقائع الاستقبال الحميم والحفاوة البالغة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في مصر، مدى المحبة والتقدير اللذين يكنهما المصريون للملك سلمان شخصياً وقبل ذلك للسعودية، فالمصريون يعون جميعاً أن المملكة العربية السعودية لم تعد دولة شقيقة فحسب، بل شريك إستراتيجي، بعد أن ارتقت العلاقة الثنائية بين البلدين وشهدت تطوراً غير مسبوق إلى مستوى التحالف العسكري والإستراتيجي في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس عبدالفتاح السيسي، وأصبحت العلاقة الإستراتيجية حقيقة قائمة محققة مزيداً من التطور وأخذت تعكس واقعاً قائماً مع الحرص على استمرار تعزيزه ورفده بروافد الإيجابية مع حرص جميع المسؤولين على التذكير به والافتخار به.
والزيارة التي بدأت اليوم هي تذكير على تميز وتطور هذه الشراكة الإستراتيجية، مع أن هذه الزيارة الرسمية الأولى لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بعد تسلّمه الحكم في المملكة، إلا أن الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس عبدالفتاح السيسي قد التقيا ست مرات في العامين الماضيين، وقد تمخض عن تلك اللقاءات العديد من خطوات الشراكة والتكامل تمثّلت في إبرام العديد من الاتفاقيات والتفاهمات التي فعلت الشراكة الإستراتيجية بين البلدين توّجت بإنشاء مجلس التنسيق السعودي المصري الذي عقد العديد من جلسات العمل شارك فيها كبار المسؤولين والوزراء المختصين وحققت العديد من الإضافات التي عزَّزت العمل المشترك ونقلته من العمل الثنائي إلى العمل الواحد، ويرى العديد من المراقبين والذين يتابعون زيارة خادم الحرمين الشريفين وكذلك مراكز البحث والرصد السياسي والإستراتيجي أنه، ورغم تعدد اللقاءات والزيارات التي تمت بين خام الحرمين الشريفين والرئيس السيسي منذ شباط «فبراير» عام 2015، إلا أن الزيارة الحالية تعد بالغة الأهمية من الناحية الإستراتيجية بالنظر لما تشهده المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والمناطق المحاذية لها كأوروبا وآسيا الوسطى من تعقيدات وتفاعلات سياسية وإستراتيجية عميقة تتطلب تنسيق العمل المشترك وتوحيد الجهود لمواجهة ما تفرضه من تحديات موجهة للعرب جميعاً الذين يعولون على السعودية ومصر القيام بالدور القيادي والأساسي لحشد الطاقات لتحصين الأمن القومي العربي، والحفاظ على الهوية العربية، ولهذا فإن المفكرين العرب جميعاً يؤكّدون أن العلاقة السعودية المصرية لا يجب أن تبقى وتحافظ على إيجابيتها فقط، بل يجب أن تكون علاقة إستراتيجية وضرورية مثلما هي الآن، وأن تصبح وتعد حجر أساس في أي تشكيل إقليمي جديد في الشرق الأوسط، حيث يجب أن يؤخذ جداً في الاعتبار ثقل الشراكة الإستراتيجية السعودية المصرية، كما يجب أن يفعل ناتج القوة الإضافي لهذه الإستراتيجية وتوظيفها بجعل الحضور السعودي المصري مؤثِّراً وفاعلاً في أي لقاءات أو تفاهمات تعمل على تحقيق التنسيق الإقليمي والدولي والعربي بصفة خاصة في مواجهة التحديات الراهنة أو التي ستطرأ في المستقبل وأن تمكن القوة الإستراتيجية والمكانة الدولية والإقليمية للسعودية ومصر من مواجهة تلك التحديات وألا تكون المواقف الدولية ضد المصالح الإقليمية، أو فرض مصلحةإقليمية في منظور معيّن على الدول العربية، وهو الذي شهدناه في العقود الأخيرة التي شهدت تغليب مصالح إقليمية معينة على حساب المصالح العربية حتى داخل الوطن العربي مما عظم نفوذ قوى إقليمية على حساب القوة العربية.
ويحزم المراقبون وخبراء الإستراتيجية أن الشراكة الإستراتيجية والتفاهم والتنسيق بين السعودية ومصر سيصلح الكثير من العلاقات الشاذة التي مكنت قوى إقليمية أخرى من التجني والتمدد على حساب المصلحة العربية، وزيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز للقاهرة التي بدأت اليوم تعزِّز هذا التوجه الذي يستهدف في المقام الأول علاج التشوهات في العلاقات العربية.