خلود الشايع ">
المرأة عامةً (متعلمة وغير متعلمة)، تشكِّل ركنًا مهمًا ورئيسًا في منظومة الدخل الأسري؛ وقد تتفوق على الرجل في كثير من الأحيان، مثل المرأة المعيلة، المرأة المعيلة المسؤولة عن أسرتها ماديًا، أو قانونيًا أو نظاميًا واجتماعيًا في المجتمع؛ فنراها تارة تدير عملية الإنتاج المنزلي الذي يشترك فيه أفراد الأسرة، باعتباره نشاطًا اقتصاديًا، يعطي قيمة مضافة على الخامات وأدوات الإنتاج..، ويضيف هذا الإنتاج الاقتصادي المنزلي، إن جاز التعبير، كثيرًا للقطاع غير الرسمي من اقتصادات الدول العالمية: النامية والمتقدّمة، ورافدًا مهمًا من روادها، حيثُ يشكِّل إنتاج الأسر فيها نسبًا مرتفعة في الناتج القومي الإجمالي لإيطاليا، واليابان وكوريا تصل إلى 70%، فضلاً عن إتاحتها فرص العمل لثلثي العمالة في هذا الشأن.
هذا النشاط المنزلي، أو الأسر المنتجة، كان أحد الأهداف الإستراتيجية لحكومتنا الرشيدة، وتحقّقت في مبادرات بعض الجهات التنموية التي رعتها، وشجّعت هذا التعاون الأسري القائم على قيم العمل والإنتاج، وأطلقت بعض المبادرات والمشاريع التنموية في هذا الشأن، مثل: الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، التي أطلقت البرنامج الوطني لتنمية وتطوير الحرف والصناعات اليدوية(بارع)؛ لتحفيز ودعم الأسر المنتجة، وتطوير مواهب الحرفيين والحرفيات، ومساعدتهم على الإنتاج النوعي وإيجاد الدعم والتمويل ومنافذ التوزيع والتسويق الداعمة للإنتاج؛ ثم غرفة الرياض، عبر معرض (منتجون) الذي تقيمه سنويًا بمركز الرياض الدولي للمؤتمرات والمعارض، الذي لن يكون بوسع زائريه سوى الإعجاب والإشادة به وما أتاحه من طاقات سعودية، حرفية وصناعية غاية في التمكن. بالإضافة إلى (جمعية حرفة)؛ ذات الريادة والاهتمام بالحرف اليدوية النسائية, وحرصها على نقل المعرفة من جيل إلى جيل، من خلال تشييد معهد متخصص في هذا الشأن.. وكذلك مبادرة أرامكو السعودية (اليد العليا)، لتطوير وتنمية الأسر المنتجة بالتعاون مع الجمعية الفيصلية الخيرية النسوية بجدة، وجهودهما التنموية المبذولة لتوفير الدخل الكريم للأسر وفق نظام مجتمعي متكامل، بالإضافة إلى إسناد إحدى المقاصف المدرسية للأسر المنتجة لتقديم وجبات الإفطار، كتجربة جديدة في تولي الأسر المنتجة تمويل المقاصف المدرسية بدلاً من الشركات المتعهدة، تمهيدًا لتعميمها على بقية المدارس في حال نجاحها، وذلك بالشراكة مع وزارة الشؤون الاجتماعية، التي يجري فيها العمل على قدم وساق لصياغة وإقرار اللائحة التنفيذية للأسر المنتجة..
وأتصور أن الفتيات السعوديات، وأسرنا قد لا تعاني بطالة ولا تنتظر خطابات التعيين أو الترسيم، ولا تنقصها الحماس أو الإصرار.. ولا تفتقد الموهبة ولا المهارة، ولا القدرة على الإبداع؛ وتوليد الأفكار..، بل بحاجة إلى إرادة تترجم هذه الإمكانات والإبداعات حقيقة على أرض الواقع.. هكذا جلست أتمتم في نفسي هذه الكلمات كلما تجولت وانتقلت من جناح لآخر داخل معرض:(منتجون). فهذا المكان، الذي يقام سنويًا بمشاركة أكثر من (620) أسرة منتجة، ويرتاده حولي ربع مليون مرتاد ومرتادة، قد يلتهم من أوقات الزائرين ساعات وساعات، خلالها لن تقع عيناه، ولن تشعر حواسه وسط زخم كل هذا الإبهار والجمال والجودة إلا على شعار صنع في السعودية, فالوجوه سعودية وكذا تأخذك الخامات وتأسرك المنتجات السعودية إلى هناك .. قلب الثقافة السعودية. وأكثر ما أسعدني أن فتيات وأسرًا بأكملها تعمل في صمت وفي منازلها, منهن من غزت ابتكاراته الأسواق الخليجية والعربية والعالمية, ومنهم من ينتظر معرضًا ليطل على المستهلكين بسلع ذات أسعار تنافسية..
وبقدر ما سعدت، بابتكارات شريحة من الفتيات والأسر السعودية وفقًا لما تلمسته من حاجة المجتمع، وما أنتجن كل هذه المعروضات المبهرة من حرف يدوية وطعام شعبي وأزياء وإكسسوارات، وبخور وعطور، وتجميل وحفلات وديكور، وتصوير ومشغولات وتطريز، ومفروشات، وشكلن حُليًا وأساور من أروع الخامات بقدر ما تألمت لأن غيرهم لم يستوعب هذه الروح الوثَّابة والمبدعة والخلاَّقة، التي أتمنى أن تسري في جميع أسرنا، فلربما فكرة صغيرة، قادت إلى مشروع كبير واستثمار أكبر.. وربما أصبحت في يوم من الأيام ماركات عالمية، حال توافر لها الدعم المناسب ودعمتها سبل التسويق الناجح والفعَّال.
والعمل الحرفي، كان ومازال حقًا وشرفًا وواجبًا، وكان آباؤنا وأجدادنا، يُعظِّمون دوره وقيمته الذاتية التي حافظوها عليها حينًا من الدهر، بينما لاحقت بعدهم (ثقافة العيب) من العمل شبابنا وفتياتنا في مجتمعاتنا السعودية والخليجية والعربية على حد سواء..!
ومن هنا تنبع أهمية الاهتمام بمشاريع الأسر المنتجة وفتيات وشباب الأعمال:(المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة) وتشغيلها، كمسار وتوجُّه عالمي لترسيخ ثقافة العمل الحر، وتحرير الاقتصادات من تراكمات العمل الحكومي؛ للحد من البطالة، في ظل الظروف التي يمر بها الوطن. حيث تشكِّل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، شاملة (المشروعات متناهية الصغر)ما نسبته 90% تقريبًا من المنشآت على مستوى العالم بمعدلات توظف تتراوح بين (50 % -60 %) من القوى العاملة في العالم.
لذلك، فإن من أولى أولويات أي اقتصاد، تكمن في دعم ومساندة مشاريع الأسر المنتجة وفتيات وشباب الأعمال، وهذا ليس رفاهيةً ووجاهةً شرفية، بقدر ما ترسيخ لُلحمَة الوطنية والحفاظ على الكيان الأسري المجتمعي، والمساهمة في نبذ العنف، وتحقيق السلم المجتمعي بما يحقق استقرارنا وأمننا بالدرجة الأولى، سيما أن دعم هذه القضية يتجاوز قيمتها الاقتصادية المهمة كركن أصيل وحجر زاوية لاقتصادنا الوطني، إلى أبعادها الاجتماعية الأخرى، مثل: مكافحة البطالة؛ وبناء الأسرة والقضاء على الفراغ، ومحاربة التطرف؛ وتجفيف منابعه، وغيرها..
إن العمل الحر والإنتاج الأسري، حياة تزداد ألقًا وجمالاً وأخلاقًا..، وتمنح الإنسان تواضعًا ومهارةً وابتكارًا..! وأرى أن في الأسر المنتجة أرضٌ خصبة من الأفكار والبرامج فضلاً عن التشجيع، والدعم من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية لهذه الشريحة في إطار استراتيجيتها في المعروفة المشاركة بها في برنامج التحول الوطني من الرعوية إلى التنموية.. وأقترح في هذا الخصوص ما يلي:
أولاً: تكوين هيئة عليا للأسر المنتجة.
ثانيًا: تسهيل إجراءات التراخيص، والتمويل لمشاريع الأسر المنتجة.
ثالثًا: المساعدة في تسويق المنتجات للاستدامة.
رابعًا: عقد ورش عصف مع المؤسسات المانحة ذات العلاقة
خامسًا: تعزيز هذا التوجه وذلك من خلال نظام العمل من المنزل وتفعيله.
سادسًا: توجيه مؤسسات الدولة والشركات والقطاع الخاص لاقتناء منتجات الأسر؛ وترسيخ مبدأ تعميم كل هدايا ضيوف الدولة من أعمال هذه الأسر والجمعيات؛ لكيلا تضيع منتجاتها هدرًا.
سابعًا: توجيه مؤسسات الدولة وخاصة أمانات المدن لتهيئة مساحات مناسبة بخدماتها كمراكز تسويق دائمة للمنتجات الوطنية بأسعار تشجيعية ومنافسة.
- أخصائية نفسية