لا يخفى على الكثير منا حقيقة وعملية الدعم والتجديد والإبداع في كل الأمور الحياتية؛ لأنها تعطى المرء دعمًا كبيرًا في شتى الأمور من التطوير والإبداع والمنافسة بين القوى المتقدمة على الساحة الدولية، واللحاق بركب من سبقهم في مجالات عدة؛ إذ إنها وسيلة من الوسائل المهمة التي تبث قيمة الإبداع، وتلفت نظر المجتمع بكامله إلى ما يحظى به من التجديد والتطوير، إلى جانب خروج الأمة من حيز التكاسل والتخاذل والتثاقل والاتكالية إلى ساحة المعرفة والتقدم والتعامل مع هذا المنهج إلى كل ما هو جميل وعظيم، يحمل مضامين الفكر والتطوير، ويلامس الجوانب التفاعلية التي يفعلها الكثير منا في حياته؛ حتى تصبح الحياة أكثر إشراقًا وإبداعًا في المجالات الحياتية المتنوعة. فإن التطوير وحده يعنى بإنتاج العمل، سواء كان في الجانب الصناعي أو العلمي أو الصحي أو الفكري أو الأدبي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، وغير ذلك من المجالات المتعددة.
فالإبداع فكر راق، لكنه لا يجد في بعض الشعوب والأمم مجالاً واسعًا في عالم اليوم؛ فالمبدع في أي مكان من كوكبنا بحاجة ماسة إلى الدعم و التشجيع. والمهم نبدأ العمل بإرادة قوية ومنهجية علمية مستعينين برب العزة والجلال أولاً، ثم بهمم الرجال، ومتمعنين في النظر متأنين في العمل.. فنحن بحاجة ماسة إلى أعين الحكماء، كما أننا بحاجة إلى عزيمة الشباب؛ فهم عماد الأمة. وأنا لا أشك أبدًا في وجود طاقات بشرية عالية الجودة فيما بيننا، تضاهي أعلى المعايير والمواصفات العالمية إن لم تتفوق عليها، إلا أن المشكلة ليست في انعدام وجودها، ولكن في صناعتها. إن من فضل الله - عز وجل - على البشرية وكمال عدله أنه لم يختص جنسًا ولا طبقة ولا وطنًا ولا لونًا ولا عرقًا بقدرات عقلية عالية دون الآخرين، ولكن الشعوب والأمم تتنافس فيما بينها في تلمس هذه القدرات في أفرادها، وتحمل مسؤولية بعثها، ومن ثم تهيئة البيئة المناسبة لصناعتها واستثمارها.. فهل من إرادة للكشف عن الكنز الذي لا ينضب؟ وهل من إرادة لاستثماره؟
كما أن القدرة الإبداعية موجودة منذ الأزل، وذخيرتها العلم الرصين القوي، إلا أن هذه الذخيرة تكاد تنحصر فيما خلفه المبدعون والعباقرة بأقلامهم عن تجاربهم الشخصية، ولم تحظَ هذه القدرة بعناية علمية مثمرة من الحكماء إلا منذ وقت قريب بعد غزو المرء الفضاء، واستحداث المفاعلات النووية السلمية والعسكرية على الأرض؛ ما جعل حاجة المبدعين أشد؛ فإن مستقبل أي أمة مرهون بإبداع شعوبها ووعيهم وتقدمهم العلمي. والحكيم في هذا يقفز بالإبداع العلمي إلى المقام الأول. وكان لا بد من طرح الأسئلة المتنوعة حول هذا الموضوع، فمن ذلك التساؤل ما يأتي:
س/ ماذا يختلف المجددون من العلماء عن غيرهم؟ وهل هم أكثر ذكاء؟ وهل هم يكدحون ويجتهدون أكثر من غيرهم؟ وهل شخصياتهم من نمط متباين؟
وقبل أن أستعرض أجوبة العلماء على هذه التساؤلات لا بد لنا من إبداء الملاحظات الآتية: أولها أن العلماء يفترضون بدءًا وجود أساس مشترك للإبداع في مجالات العلوم ومجالات الفنون جميعًا.
وثانيها أن الأبحاث التي تتناول القدرة الإبداعية تتطلب وجود مقياس يتيح للعلماء تصنيف الأفراد أو تصنيف نتائجهم إلى مراتب تتدرج من أقل الأفراد إبداعًا إلى أكثرهم إبداعًا. وهذا المقياس يقتضي بدوره أن يكون لدى العلماء تعريف صائب للإبداع.
فقد يعرف الإبداع بالنظر إلى نتائج عملية الإبداع نفسه، أي تمييز الإبداع بفوائده وثماره، إلا أن هذا الاعتبار لا يخلو من محاذير؛ فكيف نستطيع أن نحكم على عمل (ما) أو مؤلف أو نتائج بالإبداع ونقول عنه إنه مبدع؟ ولقد حاول المؤلف (تايلور) في كتابه (الإبداع) اختيار العملية الإبداعية وتحليل أكثر من تعريف للإبداع، وتوصل من خلال ما ذكر سلفًا إلى إبراز خمسة مستويات للإبداع. ويقول: «تباين الإبداع عمقًا واتساعًا أكثر من تباينه في الأنواع:
1- الإبداع العلمي.
2- الإبداع الفني».
والمستوى الأول في رأيه هو الإبداع التعبيري، ونجد مثل هذا الإبداع في رسوم الأطفال العفوية، وهو الطراز الأساسي للإبداع. والراجح أن مرور المرء بهذا المستوى ضروري جدًّا؛ لكي يستطيع الوصول إلى مستوى أعلى. ويحتاج هذا المستوى إلى «تعبير حر لا أهمية فيه لا للمهارة أو الحذاقة ولا للأصالة ولا لصفة النتائج». وفي المستوى الثاني الإبداع المولد، والمستوى الثالث هو الإبداع المجدد (المبتكر)، والمستوى الرابع هو التشكيل التكعيبي لجسم المرء، والمستوى الخامس هو مستوى الإبداع المنبثق. ولا يخفى أننا أشرنا إلى هذه المستويات للتنويه بمشاكل التعريف إلا أن الأبحاث لم تتوقف بل ما زالت ترتاد الجوانب المختلفة للعملية الإبداعية؛ إذ إن العلماء لم يصلوا إلى نتائج حساسة ومقنعة في هذا الموضوع، وما زالت الدراسات جارية.. على أن أكثر العلماء يؤكدون تميز المبدعين بسمات خاصة بالتحرر والمفارقة، والفكاهة والهزل.
والله الموفق والمعين.