د. محمد بن يحيى الفال
تستضيف المملكة القمة التشاورية الخليجية الأمريكية الثانية في الواحد والعشرين من شهر أبريل الجاري، بعد مضي أقل من سنة للقمة الأولى التي استضافتها أمريكا في منتجع كامب ديفيد بضواحي العاصمة واشنطن وتحديدا بولاية ميرلاند.
زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لحضور فعاليات القمة هي زيارته الرابعة للمملكة والتي يحُل فيها زعيماً كبيراً وضيفا كريماً على خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وعلى شعب المملكة، وتحيط بالزيارة ظروف استثنائية، سواء كان ذلك بخصوص الرئيس الأمريكي نفسه أو بخصوص التطورات المتلاحقة في منطقة الشرق الأوسط.
تكمن استثنائية القمة بالنسبة للرئيس أوباما على محورين أولهما بأنها ستعقد وهو لم يتبق له سوى 272 يوماً كرئيس للولايات المتحدة حيث سوف تجرى الانتخابات الرئاسية في الثامن من شهر نوفمبر 2016 ويتم تنصيب الرئيس المنتخب الجديد في العشرين من شهر يناير 2017، وثانيهما الصدى الواسع لما جاء في مقابلته مع الصحفي الأمريكي جيفري جولدبيرغ المعنونة: مبدأ أوباما، (Obama Doctrine) مع مجلة اتلانتك الأمريكية، وهي مجلة أمريكية مرموقة ثقافية منوعه صدرت منذ العام 1857 من مدينة بوسطن بولاية ماساشوتيس الأمريكية، وتصدر حالياً من العاصمة واشنطن. وتكمن استثنائية القمة للمنطقة كونها تعقد في ظروف غاية في التعقيد تمر بها المنطقة خاصة فيما يتعلق بكل من الملف الإيراني بشقيه النووي والإرهابي، الأزمة السورية وتطوراتها بعد التدخل الروسي، الانقلاب في اليمن من قبل الحوثيين والمخلوع، وأخيرا وليس أخراً الملف الذي لم يقفل منذ أكثر من ستين عاماً وما زال يُراوح مكانه والمتمثل في ملف القضية الفلسطينية.
وقبل التطرق للمحاور السابقة، لا بد من التأكيد على حقيقة لا جدال فيها وهي تقدير الرئيس أوباما للمملكة قيادة وشعباً وإدراكه الشخصي الصادر عن قناعته الشخصية لأهمية دور المملكة المحوري في تعزيز الأمن والاستقرار الدوليين. ويتضح ذلك جلياً كون المملكة من دول العالم التي تعد على أصابع اليد الواحدة التي زارها أوباما لأربع مرات.
وجاءت زيارته الأولى للمملكة حيث كان في طريقه لإلقاء خطابه الشهير في جامعة القاهرة في شهر يونيو 2009 ، حيث توقف في الرياض وصرح بأنه وصل لها للاستنارة بآراء ونصائح الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، وذلك قبل إلقائه خطابه الذي حصل على قبول غير مسبوق من غالبية العالم الإسلامي والذي عبر فيه على ضرورة وأهمية تصالح أمريكا مع العالم الإسلامي. وكانت زيارته الثالثة للمملكة مثالا واضحا وجليا لتقديره للمملكة، حيث وصل للرياض بعد أن قطع زيارته الرسمية لجمهورية الهند للتعزية في وفاة المغفور له بإذن الله الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، وصل للرياض للتعزية برفقة وفد أمريكي رفيع المستوي ضم أكثر من 27 من كبار المسئولين الأمريكيين منهم إضافة لزوجته السيدة/ ميشيل أوباما، كل من السيناتور جون مكين من الحزب الجمهوري، السيدة/ نانسي بيلوسي زعيمة الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب الأمريكي.وعوداً لما صرح به الرئيس أوباما لمجلة أتلانتك فهو لم يخص به المملكة فقط بل تطرق فيه كذلك لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون. وهذا ما يفسر كذلك بأنه في رحلته لحضور القمة التشاورية في الرياض سوف يزور بريطانيا لرأب الصدع الذي قد يكون نتج عن ما ذكره للمجلة، حيث ألمح بأنه شعر بنوع من الخذلان من تردد رئيس الوزراء البريطاني من دعمه لضرب قوات الأسد بعد مجزرة الغوطة الكيمائية، خصوصاً بأن كاميرون كما ذكر الرئيس أوباما صرح للصحفيين في واشنطن بحتمية توجيه ضربة عسكرية لقوات الأسد وليتراجع عن ما قاله بعد عودته إلى لندن مما جعل الرئيس أوباما يقع في حيرة من أمره. لتزداد هذه الحيرة بعد أن صرحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بان بلادها لن تشارك مطلقاً في توجيه ضربة عسكرية ضد نظام دمشق.
وكما انتقد الرئيس أوباما حليفه في أوربا وجه كذلك نقدا للشراكة في القمة التشاورية وفي محورين، المحور الأول جمع فيه دول الخليج العربية ويتعلق بما وصفه بدعمها للأئمة والمدارس الدينية ذات التوجه المتشدد وضرب مثالا لذلك باندونيسيا، وذكر في المقابلة الصحفية بأنه سرد ملاحظته هذه لرئيس وزراء استراليا مالكوم ترينبول. أما المحور الثاني الذي خص به المملكة في مقابلته هو دعوته بأهمية أن تتوصل كل من المملكة وإيران لصيغة للتعايش المشترك من أجل سلم وأمن كافة المنطقة. على أن كلا المحورين اللذين ذكرهما الرئيس في المقابلة هما في الحقيقة لا يرقيان لاختلاف جوهري يهدد العلاقات الإستراتيجية، وإن كانا يحتاجان لتفسيرات أكثر من قبل الرئيس أوباما حيث إنه وكما هو معروف فإن الكثير من الأحاديث الصحفية تكون مبتورة أو مجتزأة لتُشكل في المحصلة النهائية فهماً خاطئاً.
وعلى كل حال فدعم دول الخليج للمنشآت والهيئات الدينية لا يمكن ربطه بالإرهاب بأي شكل من الأشكال، خصوصاً بأن دول الخليج جميعها سجلاتها الداخلية والإقليمية والدولية في مكافحة الإرهاب لا غبار عليها ولا نظير لها. أما مقولته بأن على المملكة أن تتعايش مع إيران من أجل سلام ورفاهية المنطقة، فالإيرانيون قبل غيرهم يعرفون تمام المعرفة بأن كل لقاءاتهم مع المسئولين في المملكة لم يكونوا يسمعون ولسنوات عديدة سوى نداءات أخوية بأهمية التعايش المشترك بين جميع دول المنطقة، وكان نتيجة ذلك بأن الملالي في طهران اعتقدوا بأن الحلم ضعف، ولينفد صبر وحلم المملكة بعد عن التجرؤ على حرق السفارة في طهران والقنصلية في مشهد. فلا خلط هنا في من توجه له النصائح على أهمية الالتزام بمعايير العيش المشترك، وإن كانت التجربة بعد الأخرى تؤكد بعدم جدوى هذا التوجه مع الملالي التوسعيين في طهران، وواشنطن هي أدري بذلك قبل غيرها.
ستعقد قمة الرياض التشاورية وقطعا سيكون على جدول أعمالها أربعة ملفات سياسية ملحة وهامة لأمن ومستقبل المنطقة. أول هذه الملفات هو الملف النووي الإيراني والذي زاد عليه شق آخر وهو التأكيدات الصحفية والقضائية الأمريكية على ضلوع كل من القيادة الإيرانية وتنظيم القاعدة في أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية. لقد أثبتت الوقائع بأن مخاوف دول الخليج من تهديدات ملالي إيران لأمن المنطقة مشروعة وفي محلها، وبأن التأكيدات الأمريكية بخلاف ذلك والتي تم التسويق لها في القمة التشاورية الأولي في قمة كامب ديفيد لم تكن في محلها وغير واقعية البتة. فلم يجف حبر الاتفاق الغربي مع إيران حتى سعت مباشرة في تصعيد تجاربها لبرنامجها الخاص بالصواريخ الباليستية، في خطوة في غاية الخطورة لا تهدد فقط أمن دول منطقة الخليج بل تهدد الأمن الاقتصادي للعالم بأسره، كون منطقة الخليج العربي أحد أهم شرايين الطاقة للعالم بأسره.
وتنعقد القمة كذلك والأزمة السورية التي تجاوزت الخمس سنوات لم تزدد سوى التعقيد، وبتدخل عسكري روسي سبقه من سنوات تدخل إيراني ومليشيات شيعية إرهابية كحزب الله اللبناني ولتمتد توابع الأزمة لتصل القارة الأوربية بموجات من اللاجئين الهائمين على وجوهم بحثاً عن ملجأ، في منظر يعيد للذاكرة المُشاهدات الموثقة لفظائع الحرب العالمية الثانية. الأزمة السورية التي وضع الرئيس أوباما خطاً أحمر لسفاح دمشق محذرة من تجاوزه وهو استعمال السلاح الكيماوي، وتجاوز السفاح الخط بعد مرور أكثر من عام على التحذير واستعمل غاز السارين السام في الواحد والعشرين من أغسطس 2013، وخرج الرئيس أوباما على شاشات التلفزيون مخاطباً الأمة الأمريكية عن المجزرة والتي وصفها هو نفسه أدق توصيف يظهر فظاعتها، وجاء في خطاب الرئيس» الرجال والنساء والأطفال متمددين على الأرض بعد زهق أرواحهم بالغاز السام، بعضهم أفواههم تُزبد ,آخرين يلهثون بحثاً عن نفس، وأب يتشبث بأطفاله الموتى يتوسلهم ويناشدهم بأن يقفوا ويمشوا». بيد أن الرئيس الذي أحس بهول الفاجعة عاد في الواحد والثلاثين من أغسطس 2013 ليُعلن للشعب الأمريكي والعالم عن تراجعه في قراره التدخل عسكرياً في سوريا. وفي حديثه لمجلة اتلانتك يؤكد بأنه فخور بقرار تراجعه عن ضرب قوات الأسد ويسرد عدة أسباب دعته لقراره منها، عدم حصوله على موافقة الكونجرس الأمريكي، تعذره بالقانون الدولي، تردد كاميرن رئيس وزراء بريطانيا ورفض المستشارة الألمانية ميركل التدخل بادئ القول، وخوفه بان يقوم الأسد باستخدام المدنيين كدروع بشرية في الأهداف العسكرية التي سيتم ضربها، أخيرا تخوفه من تأجيج مشاعر الكراهية بين المسلمين ضد أمريكا بتدخلها عسكرياً في سوريا. ويقول في المقابلة بأنه استطاع بقراره تجاوز آليات التعامل مع الأزمات المثيرة للسخرية والمسيطرة على الساسة الأمريكيين في واشنطن، وبأن التاريخ سيكون هو الحكم إذا ما كان قد اتخذ القرار الصائب من عدمه فيما يتعلق بالتدخل العسكري في سوريا.
وستعقد القمة وملف الانقلابيين الحوثيين وحليفهم المخلوع صالح دخل منحى يتوقع منه خضوعهم للقرار الأممي رقم 2216 والخاص باليمن والذي أكد الأمريكيون على دعمه في القمة التشاورية الأولى في كامب ديفيد، وهو الأمر الذي لم يتم أخذه بمأخذ الجد من قبل الطرف الأمريكي، ونرى ذلك جلياً من خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده كل من وزير الخارجية الأميركي جون كيري مع وزير خارجية المملكة معالي الأستاذ عادل الجبير في المنامة للتنسيق والإعداد لقمة الرياض، حيث قال السيد كيري في المؤتمر بأنه يأمل من الإيرانيين التوقف عن تزويد الحوثيين بالسلاح. فدول الخليج العربية تحتاج في هذا الوقت وتزامناً مع مفاوضات الكويت خلال هذا الشهر علي دعم أمريكي وأوروبي واضح يُرسل رسالة لا لبس فيها للقيادة الإيرانية بأن تدخلهم في اليمن مرفوض ولن يُسمح باستمراره والذي نتج عنه معاناة مستمرة للمدنيين اليمنيين الذين يتعرضون لانتهاكات لحقوقهم الإنسانية بشكل يومي وممنهج من قبل الحوثيين وفلول المخلوع صالح. أخيرا، ستعقد القمة وملف القضية الفلسطينية يزداد تعقيداً بشكل غير مسبوق مرده تعنت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتينياهو والذي ضرب بعرض الحائط كل الاتفاقيات الدولية الرافضة للاستيطان بتسريعه لوتيرته بشكل غير مسبوق ومحموم يجعل من حل القضية الفلسطينية أمرا مستحيلاً مما اضطر القيادة الفلسطينية ممثله في الرئيس محمود عباس لاتخاذ قرار بالذهاب للأمم المتحدة في الحادي والعشرين من شهر ابريل الجاري، وذلك لتقديم مشروع قرار يدين الاستيطان الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية والمعترف بها دولياً. ومن نافلة القول هنا بأن الرئيس أوباما كان الرئيس الأمريكي الوحيد الذي حاول في أول عهدته الرئاسية حل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين والمقبول أمريكيا وأوربيا ولكنه اصطدم بعنجهية نتينياهو مما جعله يتراجع ولتكون نتيجة تراجعه استئساد نتينياهو وضمه المزيد والمزيد من الأراضي الفلسطينية وبشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ الرؤساء الأمريكيين.
ستكون القمة التشاورية فرصة في غاية الأهمية للتباحث بمصداقية بين الأصدقاء وتقريب وجهات النظر، وتستند القمة على تاريخ حافل ممتد لأكثر من سبعين عاماً من العلاقات المتميزة بين دول الخليج العربية والولايات المتحدة الأمريكية، علاقات وجدت الوصف الدقيق لها من قبل سمو ولي ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان والذي صرح مؤخراً بأن النفط ليس إلا جزءاً صغيرا ومحدودا من جوهر العلاقات بين المملكة وأمريكا، وينطبق ما صرح به سموه كذلك على العلاقات الخليجية الأمريكية.
التاريخ يحدثنا بأن أمريكا لم تصل إلى ما وصلت إليه من قوة وتقدم إلا بعد أن تخلت عن انعزاليتها ودخلت الحرب العالمية الثانية لتواجه قوى الشر النازية والفاشية ولتخرج منتصرة ولتقود العالم الذي تأثر وما زال بالقيم الأمريكية في التقدم ومناصرة الحق.
ولعل معضلة الرئيس باراك أوباما الكبرى أنه اقتنع بشكل يبدو أن لا رجعة فيه بإستراتيجية القيادة من الخلف، والتي فحواها بأن الولايات الأمريكية تدافع عن مصالحها وتُساند حلفاءها من خلال الدفع بهم للمقدمة ولتبقى هي من الخلف توجه وتساند. ولكن الوقائع الواحدة تلو الأخرى تؤكد الفشل الذريع لهذه الإستراتيجية التي كلفت الولايات المتحدة الكثير من سمعتها وثقة حلفائها بها، والتي تخالف كذلك المنطق والعقل، فلغوياً أن تقود تعني بأن تكون حاملا لزمام المبادرة وتكون قادراً على تحمل النتائج مهما كانت قاسية، وفيزيائياً فالفراغ الذي لا تشغله أنت سوف يشغله آخر.