د. محمد عبدالله العوين
تلقت إيران صفعة قوية مدوية من مؤتمر قمة التعاون الإسلامي في دورته 13 الذي انعقد في إسطنبول يوم الخميس الماضي بعد صدور بيانه الختامي يوم الجمعة 8 من رجب 1437هـ بإجماع 57 دولة عضو في منظمة التعاون حيث دان تدخلها السافر في الشؤون الداخلية للدول العربية، كما في البحرين وسوريا واليمن والصومال، واستمرار دعمها للإرهاب، وما حدث من اعتداءات منها على السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد، كما رفض الاحتجاجات الإيرانية على تطبيق الأحكام القضائية في حق من تمت إدانتهم بارتكاب أعمال إرهابية في المملكة، وعد ذلك تدخلا غير مقبول في شؤون دولة عضو في المنظمة، كما دان البيان «حزب الله» اللبناني وما يرتكبه من أعمال إجرامية في سوريا والبحرين واليمن والكويت، وطالب إيران بإقامة علاقاتها مع جيرانها على حسن الجوار.
وقد احتشد بيان القمة بأفكار ومواقف شملت قضايا العالم الإسلامي في القارات؛ منها مثلا مطالبة القمة بوضع حد للاعتداءات الدموية التي تتعرض لها أقلية «الروهينجا» في ميانيمار والوقوف بحزم أمام السلطة العنصرية الغاشمة التي تقوم بعملية تطهير عرقي وديني منذ سنوات دون أن تجد من يوقف أعمالها الوحشية ضد المسلمين، وإذا كان هذا الموقف تجاه أقلية مسلمة تتعرض للاضطهاد من طغمة عنصرية متجبرة متعصبة في ميانيمار فإن الأوضاع المأساوية التي تعيشها الشعوب العربية في فلسطين وسوريا والعراق واليمن وليبيا والصومال وغيرها تستوجب اتخاذ مواقف حازمة وجادة من دول منظمة التعاون التي ينيف عددها على الخمسين دولة، وهي قادرة بتكاتفها وبتضامنها وتوحيد مواقفها وبإمكاناتها السياسية والاقتصادية والعسكرية على حسم الأمور وإنهاء حالة الضعف والهوان والاستخفاف بدماء العرب والمسلمين وكرامتهم التي تراق وتهان في دول ومناطق عديدة؛ حتى أصبح الاسم العربي والإسلامي والملامح العربية مرادفة في المخيلة الإنسانية عند شعوب العالم للقتل والخراب والشتات والمنافي والتخلف الحضاري.
ذلك كان جزءا يسيرا من الصورة العامة التي رسمها البيان الختامي، ونحن وإن لم نستطع أن نتمنى ولو من باب الأمنيات المثالية الحالمة أن يشفى عالمنا العربي والإسلامي من أدوائه المزمنة؛ فإننا نعيد التذكير بما كان هما لزعماء سبع وخمسين دولة من دول عالمنا الإسلامي في لحظات اجتماع على طاولة واحدة من أجل أن تبقى حاضرة في ذاكرة كل مسلم، وأن تكون هما من همومنا وقضية من قضايانا؛ إن لم تكن الهم الأكبر والقضية الكبرى لكل عربي ومسلم؛ فلا يمكن أن يخطر ببال أحدنا أن الألم الذي يتآكل منه قلب مسلم في ميانيمار لا يمكن أن يتآكل منه مسلم يوما ما في مكان آخر في الشرق أو الغرب من عالمنا بعد المكان أو قرب؛ لأن الكرامة والعزة والقوة واحدة لا تتجزأ، كما أن المهانة والضعف والازدراء والتهميش واحد أيضا لا يتجزأ لكل قومية وجنسية وعرق ودين.
ونقف عند الصفعة المدوية التي وجهها زعماء العالم الإسلامي جميعهم إلى إيران، فلم يختلف أي منهم على أن تلك الدولة الشاذة عن المنظومة الإنسانية والإسلامية لا تلتزم بقيم حسن الجوار ولا بأخلاقيات التعاطي مع الدول التي تتقاطع معها في الحدود أو المصالح أو الإقليم، ولعل تشديد البيان على لوم إيران لوما شديدا أشبه بالتقريع من كل دول العالم الإسلامي هو ما دفع رئيس الوفد الإيراني حسن روحاني ومرافقيه إلى الهرب من سماع تلك الإدانة في الجلسة الختامية، وهو يعلم علم اليقين أن إيران ستكون في موضع خزي بين أعضاء منظمة التعاون؛ ولذلك سعى إلى أن يتفادى صدور البيان على نحو ما صدر عليه، فطالب بألا يتضمن ما يحدث انقساما بين الدول الإسلامية -حسب زعمه- وبعد صدوره صرح بأن ثمة لوبيات من بعض أعضاء المنظمة - وهو يقصد المملكة ودول الخليج العربي - اختطفت المنظمة، وهو ظن خائب وباطل، فالدول التي يزيد عددها على الخمسين لا يمكن أن تخضع لرغبة أو نفوذ دولة مهما بلغت قوتها وامتد نفوذها.
والأهم من تلك الإدانة الرائعة التي أثلجت قلوب العرب والمسلمين في كل مكان أن يتبعها عمل سياسي ودبلوماسي وإعلامي واقتصادي يفعل معنى «تصنيف» إيران بأنها دولة داعمة للإرهاب، أو بأنها دولة «إرهابية» فلا بد من الإفادة من هذا التصنيف والاشتغال عليه وحصار إيران على كل المستويات إلى أن يعود الملالي الكهنوتيون إلى رشدهم أو أن يضيق الشعب الإيراني بهم ذرعا ويتحرر من طغيانهم واستبدادهم وظلاميتهم وسعيهم إلى الشر والحروب وإثارة القلاقل.
وليس مفهوما بعد الإجماع على وسم إيران بالإرهاب في هذه القمة كيف يمكن أن تظل عضوا في منظومة العالم الإسلامي وهي تسعى بكل الطرق العسكرية الحزبية المكشوفة إلى تدميره وإضعافه وتخريبه وإشعال الحروب في كل دوله؟!
أليس الواجب الأوجب الآن أن يعلن المسلمون من على منبر مؤتمرهم هذا بالصوت العالي الذي لا يخشى إلا الله أن إيران بنظامها الصفوي الفارسي الحالي المتخلف الذي يحتكم إلى «ولاية الفقيه» ليست دولة إسلامية؟!.