لا نعلم خدمة كان يراهن المجتمع على اندثارها وعدم الحاجة لها مع عصر التقنية أكثر من الخدمة البريدية وأنها ستكون في عداد التراث الذي نمت ثقافة الاهتمام به وحفظه لأنه كان يرصد حقبة طويلة من الزمن والعطاء, إلا أنها استمرت في المقاومة من أجل البقاء وتقاطع كثيراً هم البقاء مع ضرورة التطوير وإطلاق خدمات جديدة طيلة العقود الماضية, بالإضافة إلى أن الحاجة لها لم تعد مثلما كانت وقت الآباء والأجداد, ولا شك أن الارتباط الذهني غير الحسن بهذه الخدمة لايزال يلاحقها وقد يستمر طويلاً خاصة وأن هناك منافسة حميمة وشركات خاصة تقدم مثل خدمات مؤسستنا الحكومية وبجودة أفضل ووقت أسرع وأصبحت تملك أساطيل نقل جوية وبحرية وبرية ولها مكاتب توزيع في كل مكان ولا يعيبها إلا أن السعودة فيها متدنية جداً وكأن برنامج نطاقات لم يمر بها أو عليها بالرغم أن عملها ليس مكلفا ولا أظن الشاب السعودي سينفر منه أو لا يتقنه, ونثق أن السوق مغرٍ جداً وجاذب ويستوعب الكثير من المنافسين, والمؤكد لهذا المنطق كما يقول قادة هذا الجهاز أنهم قبل عشر سنوات أطلقوا استبانة عن أقل الدوائر الحكومية أهمية والتي يرى المواطن عدم جدوى وجودها أو إمكانية الاستغناء عنها دون تأثير على خدمة المواطن فكانت مؤسسة البريد بمقدمة الركب.
هذا المدخل يقودني لاستعراض ما دار في ندوة اثنينية بمنزل حمود بن عبدالله الذييب واستضاف اللقاء قيادات من المؤسسة العامة للبريد وكان عنوان تلك الندوة (الخدمات البريدية بين الواقع والمستقبل) وترك المجال رحباً لاستعراض الخدمات والخطط التطويرية والتوجهات المستقبلية والصعوبات التي توجه تلك المنظومة القديمة ربما قدم الإنسان وحاجته للتواصل بالآخر, وحتى تكون الصورة مركزة سنجعل سياق القلم لأهم النقاط بين المتحدثين والمتلقين لأن ثمة خلاف حصل بين الطرفين وكشفت أسباب التباين, وتم استعراض خدمات تقدمها هذه المؤسسة العملاقة لا يعلم عنها كل من كان في اللقاء الذي أجري فيه استطلاع للرأي وتصويت لمن يعرف هذه الخدمات التي تحدث عنها ضيف الاثنينية بفخر وعقب عليها العديد من القيادات التي كانت في معيته, وهنا لابد أن نعترف بوجود خلل إن لم نقل خطأ من المؤسسة البريدية في إعلام الناس بكل الوسائل وعلى فترات متقاربة عن تلك الخدمات التي أحسسنا أننا وإياهم ليسوا في وطن واحد, وليس من المقنع أن نقول أننا عرفنا بذلك في برنامج حواري له شعبية جارفة قبل سنوات, والمدهش هو وصول تلك القيادات إلى قناعة بما تم تقديمه من خدمات ثم اللغة العكسية والنحي باللائمة على المواطن وأن عليه أن يبحث عبر كل الوسائل عما يحتاج منها على اعتبار أن المعلومة متاحة وعليه أن يتقصى وجودها وكان الإعلام الخاص بهم ليس له دور في ذلك وهذا أثار حفيظة الحضور, ثم قناعة القيادي البريدي أن ثقافة التسويق تنقص المجتمع بكامله وبالتالي المؤسسات الحكومية وليس فقط مؤسسة البريد السعودي وأن الكثير منها لم تنجح في تسويق خدماتها والتعريف بها واستشهد القيادي بالأكاديميين والقياديين أصحاب السير الذاتية الرنانة لدينا الذين لا يحسنون تسويق أنفسهم لمستقبلهم, أضف لذلك الحديث بنشوة عن جوائز حققوها على مستوى العالم والمواطن لا يعلم عنها ويقولون إن خدماتنا متقدمة على مستوى دول أمريكا وأوروبا وشرق أسيا, وأضافوا إن تلك الخدمات كانت سبباً مباشراً لنجاح الحكومة الإلكترونية.
وما كان محل سرور المستمعين هو مساندة كل أجهزة الدولة للبريد كونه مؤسسة حكومية أن يتولى نقل الرسالة والوثيقة والطرد وحتى كما قالوا المستودع بكامله ولولا هذا في نظري لكان الأمر مختلفاً بكامله لأن القطاع الخاص يتمنى القيام أن يحظى بهذه الميزة التنافسية وسيقدمها بجودة أكبر ولكنها الحماية الحكومية لمؤسسات الدولة, ولهذه الميزة التنافسية قال القيادي إن المؤسسة العامة للبريد ساهمت في تطوير البنية التحتية للاقتصاد السعودي وهي السبب الرئيسي في التوسع التجاري وافتتاح أسواق التجزئة والمولات المنتشرة في أرجاء الوطن الكبير لأن البريد يقدم خدمة نقل البضائع منها وإليها, وهذا الأمر يدعونا إلى البحث عن أسباب عدم معرفة أغلب المواطنين أن شركة ناقل هي شركة تملكها المؤسسة العامة للبريد وأنها الذراع الأيمن في نقل وإيصال الرسالة والوثيقة والبضاعة وهي التي أطلقت برأس مال متواضع حققت في عامها الأول أرباحاً تقدر ب 5 مليون ريال ثم حققت أرباحاً في هذا العام تراها القيادات البريدية عالية جداً والحضور يراها متدنية جداً حيث لم تحقق كما ذكروا إلا 40 مليون ريال ربح في ظل حماية الدول لها وحقوق الامتياز التي أخذتها بنقل كل ما يخص المراسلات الحكومية, ولا نعلم كيف يكون هذا الرقم مقنعاً في ظل التوجه إلى الخصخصة لهذا الجهاز الذي يستحق أن يكون ملء السمع والبصر وبأرباح وخدمات عالية فالحاجة إليه تبدو أكثر من السابق مع التوسع العمراني وتقدم الخدمات و رفاه الشعوب والحاجة إلى اقتناء متطلبات تبدو أفضل أو أرخص أو غير متوفرة هنا وتستجلب من أماكن مختلفة حول العالم, علماً أن القيادي أشار أن الخدمات التي تقدمها شركة ناقل لا تتجاوز 15% من الخدمات التي يقدمها البريد ولا يعلم عنها المواطن كخدمة الطرود البريدية التي لم يصاحبها تعريف بها.
إن المتابع للشأن البريدي في مملكتنا الغالية يعلم علم اليقين أن هناك مشروع كلف مئات الملايين لوضع صناديق بريدية تم التسويق لها سابقاً وأنها ستكون عنوان المواطن الثابت وعليها سيتم استقبال كل ما يخصه ويرسل إليه من خارج المملكة وداخلها والذي يشاهد الجميع اليوم أنها قد تعرضت للإتلاف بصورة كاملة وأصبحت منظراً مشوهاً على المنازل والعمارات وتفاجأ الحضور أن الأحبة في المؤسسة العامة للبريد ينفون علاقتهم بهذا المشروع وأنه لم يكلف الدولة ريالاً واحداً وإنما هي جهة أخرى لم يفصح عنها من تولت التركيب والعنونة وهذه المعلومة أصابتهم بالذهول وربما أنهم أحجموا عن العديد من الاستفسارات أن تطرح في النقاش المفتوح لوضوح ثقافة الدفاع في طرح المعلومة وتوقع الاتهام عند تلقيها, وهنا علامة استفهام كبيرة جداً لا نعلم من سيجيب عليها سواء في البريد أو في المؤسسات الرقابية المعنية في الدولة ونتطلع أن نقرأ الإجابة بأي صورة كانت شريطة مصداقيتها لأن الشهود عليها تجاوزوا العشرات وليس الآحاد, هذا بالإضافة إلى التضارب ما بين العنوان البريدي وبين العنوان والرقم البلدي وهذا سيستلزم تغيير الرقم والعنوان البلدي الذي دفعت عليه وزارة الشؤون البلدية مبالغ طائلة في ظل غياب تهمة التنسيق الدائم بين مصلحتين في دولة واحد.
ختاماً,, في الوقت الذي كنا فيه سعداء بتطور خدمات البريد ومواكبته لخطط الدولة أو بعض الخدمات العالمية كما ذكر في اللقاء العالي الوضوح والشفافية وبالرغم من ارتفاع موثوقية مؤسستنا البريدية الغالية مع مؤسسات البريد في العالم وخطط السعودة المرتفعة جداً لديه وكذلك احتضان البريد لـ 12000 موظف الذي يعني نفس العدد من الأسر في أجزاء وطننا الكبير, إلا أننا نقول بالفم المليان إن القناعة بما تم تقديمه يعتبر بداية التأخر وإن ذلك خطأ إداري وفلسفي وكذلك تسويقي ولا يعتبر المقتنع بما قدم قيادي إستراتيجي, ولن يكون هذا في صالح جهاز البريد في المستقبل, كما أن على المؤسسة العامة للبريد أن لا تغرد بينها وبين فروعها ومنسوبيها وعليها أن تصل إلى الناس بكل الوسائل فالقادم من الأيام ستكون فيه المنافسة محمومة إن لم تكن شرسة ولابد من الاستعداد لها, ولولا القصور السابق لما قام العديد من شركات البريد والتوزيع والتي أصبحت اليوم في قيمتها السوقية تتجاوز مئات الملايين وخططها في الجودة عالية وكذلك خططها الإستراتيجية في التوسع وهذا سيجعل الفرصة في المستقبل بعد الخصخصة للأفضل خاصة والدولة بكاملها مقبلة على برنامج تحول كبير قد تلغى فيه كيانات أو يستحدث فيها أخرى أو يتعرض البعض للدمج , كما أن عليها أن تكون في حالة دائمة من العصف الذهني وتطوير الخدمات والاستفادة من التجارب الدولية واستحداث خدمات أخرى وإعداد خطط إستراتيجية إعلامية وعدم الركون لعقود تعاونية قد تخدمها اليوم لكن لن تكون معها غداً فالاستدامة وسيلة قوة بيدها.
- عضو المجلس البلدي لمدينة الرياض