تتميز السياسة السعودية بالذكاء وتستخدم عنصر المفاجأة لتوجيه القاضية لأعداء العروبة والإسلام فبعد أن تغيرت قواعد لعبة السياسة الغربية تجاه الشركاء في الشرق الأوسط وما صاحبها من تطورات الوضع الاقتصادي للدول البترولية، وما تشهده الساحة من انتشار للإرهاب، وتمدد إيران في ثلاث عواصم عربية، ومصادرة قرار الشعب اللبناني لصالح ذراعها في الشام حزب الشيطان المسمى بحزب الله وهو البعيد كل البعد عن الله، لم تجد المملكة إلا أن تجمع شمل العروبة في مواجهة الأطماع والأوضاع الراهنة ومواجهة الإرهاب الفارسي، لذا كان لزاماً عليها تفعيل قرارات وأنشطة الجامعة العربية وبعث الدرع العربي من جديد عن طريق التعاون السياسي والتكامل الاقتصادي والعسكري، فقد قال خادم الحرمين الشريفين في كلمته التي ألقاها في قصر الاتحادية في زيارته التاريخية لمصر العروبة والإسلام «إن هذا العصر هو عصر التكتلات بكل المعاني ولم يعد ممكنا أن تنأى دولة بنفسها بزعم الحياد»، والمدقق في هذه الزيارة يلمس حرارة الاستقبال على الصعيدين الشعبي والرسمي، فالمملكة ومصر كانتا وستظلان حجر الزاوية في السياسة العربية فهما قلب الإسلام والعروبة ودرعها المتين -بإذن الله-، يقول الشاعر:
تأبى الحراب إذا اجتمعن تكسرا
وإذا افترقن تكسرت آحادا
اجتمعت القلوب لتأسيس شراكة اقتصادية تسهم في حل أزمات المنطقة، ويوما بعد يوم يرتفع سقف ما تحقق في هذه الزيارة فالمطالع للتاريخ يجد أنها جاءت للرد على المشككين في قوة العلاقات المصرية- السعودية، والمدقق في الوفد المصاحب لخادم الحرمين الشريفين في هذه الزيارة يجده يضم شخصيات على أعلى مستوى، وهذا تأكيد على متانة العلاقات وأهمية الزيارة، وهي تأكيد لمتانة العلاقات السعودية- المصرية عبر التاريخ، فهذه العلاقات ليست وليدة اليوم فالمملكة حريصة كل الحرص على الشقيقة مصر حرص مصر على ازدهار المملكة، ولا ننسى تطوع الأمير سلمان وبعض إخوانه الأمراء في الجيش المصري إبان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، وموقف الملك فيصل (فيصل الحق) -يرحمه الله- في مواجهة أمريكا والغرب ووقف ضخ البترول العربي للضغط على أميركا لتصحيح الوضع على جبهات القتال عام 1973م، وهو ما أزعج الرئيس الأمريكي نيكسون ووزير خارجيته الدكتور هنري كيسنجر.
ولا شك أن هذه الزيارة قد خطط لها بشكل جيد فقد سبقها تأسيس المجلس التنسيقي السعودي- المصري ولجان مصرية- سعودية ومنتدى للتجارة والاستثمار، والعديد من زيارة كبار المسئولين هنا وهناك، وتمثل هذه الزيارة التاريخية مرحلة من مراحل التعاون المستمر والبناء لمعالجة القضايات العربية والإسلامية وضربة موجعة لدعاة التقسيم فالعلاقات المصرية السعودية ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، والمطالع لتاريخ التعاون بين البلدين لا بد وأن يتذكر زيارة الملك فاروق للمملكة عام 1945م وزيارة المؤسس الملك عبدالعزيز (يرحمه الله) لمصر عام 1946م، ولا شك أن المملكة العربية السعودية ومصر وبقية الدول العربية يستطيعون معاً -إن شاء الله- تحقيق الكثير لصالح العروبة والإسلام.
وقد تمخضت الزيارة عن عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تعد بحق تدشينا لمرحلة جديدة وجادة في العلاقات المصرية- السعودية، وضمن هذه الاتفاقيات إنشاء جسر الملك سلمان عبر البحر الأحمر ليصل بين قلوب السعوديين والمصريين على شاطئيه، حفظ الله خادم الحرمين الشريفين لخدمة العروبة والإسلام فهذه هي شيم حكامنا الميامين وشيم آبائهم من قبل، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.