د. عيد بن مسعود الجهني
في ظل ما يشهده عالمنا المعاصر من حقائق سياسية واقتصادية وإستراتيجية ونزاعات وصراعات وحروب مثيرة في منظومة العلاقات الدولية بشكل لم يكن مسبوقا في المراحل التاريخية السابقة أو ماشهده ويشهده عالمنا العربي من متغيرات متسارعة في أخطر عصر من عصور الغليان في تاريخنا، وتشتت وتمزق وتشرذم وانكسار، وتكالبت علينا الأمم كما تتكالب الأكلة على قصعتها.
في ظل تلك المتغيرات جاءت الزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لمصر الشقيقة، فخادم الحرمين الشريفين صاحب نخوة عربية وشهامة وشجاعة وحزم وعزم، له مواقف مشهودة تجاه مصر وأهلها الطيبين فهو أمين على وصية والده المؤسس والموحد الملك عبد العزيز- رحمه الله- الذي أوصى أنجاله من بعده بمصر والشعب المصري الشقيق، هذا لأن المملكة ومصر بتلاقيهما واقترابهما من بعض يمثلان نواة فاعليات العمل العربي المشترك للوصول إلى الأهداف الخيرة المنشودة التي تتطلع إليها الشعوب العربية.
فالمملكة التي شرفها الله بواجب خدمة المقدسات وحمايتها وحمل رسالة الإسلام الخالدة التي أنارت العالم أجمع، ومصر التي زخرت بها جوانب التاريخ ومعالم الحضارة والثقافة والأزهر الشريف، إنهما قطبان كبيران في العالم العربي والإسلامي الواحد، وكل دولة تحمل قسطها الكبير في المسئولية التاريخية على الساحة العربية والإسلامية.
وقد تحدث الملك عبد العزيز- رحمه الله- واصفا أهمية مصر قائلا:
(ما كنا لننسى مصر الكريمة وصلتها بشقيقتها المملكة)
فكان من حظ البلدين توثيق الروابط بينهما وتوحيد جهودهما في سياستهما وإقامة التعاون بينهما على أوثق الدعائم، وقد كان الملك عبد العزيز حريصا على تقوية وتوثيق العلاقات مع مصر مؤكدا أن مصر هي قدوة وأمل جميع العرب وقال:
(لا عرب بدون مصر ولا مصر بدون عرب).
ويسجل التاريخ زيارة الملك فاروق للمملكة في 25 يناير 1945 لدعم العلاقة بين الدولتين الشقيقتين لتتلوها زيارة الملك عبد العزيز لمصر بتاريخ 7 يناير 1946، تلك الزيارات المتبادلة كان باعثها في تلك الفترة من التاريخ العربي توحيد الصفوف نحو وحدة عربية خرج من رحمها تأسيس الجامعة العربية التي جاء تأسيسها قبل ميلاد الأمم المتحدة بعدة أشهر، ومما لا شك فيه أن المملكة ومصر كان لهما الدور الرئيس آنذاك وحتى اليوم في قيادة العالم العربي.
اليوم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في زيارته التاريخية لأرض الكنانة يجسد اهتمام ودعم المملكة لمصر في كافة المجالات الاقتصادية والاستثمارية والسياسية والثقافية والسياحية والأمنية، وهي رسالة واضحة المعالم إلى العالم أجمع أن بلاد الحرمين بقيادته القوية المستنيرة تقف إلى جانب مصر موقف (قوة) ضد كل التحديات التي تواجه مصر وأهلها سواء أكانت تلك التحديات سياسية أو اقتصادية أو أمنية أو استثمارية أو ضد الإرهاب.. الخ.
كان هذا واضحا في سياسة خادم الحرمين الشريفين منذ تسلم القيادة من أخيه الملك عبد الله بن عبد العزيز -رحمه الله-، والزيارة الهامة التي كان على رأس مستقبليه الرئيس عبد الفتاح السيسي وأعضاء حكومته والشعب المصري الشقيق عكست ذلك، فالقمة التي عقدها الزعيمان أبرزت للمجتمع الدولي مدى (قوة) الترابط بين الدولتين.
ولقاء خادم الحرمين بمجلس النواب المصري وتشريفه لحفل جامعة القاهرة العريقة حيث منحت خادم الحرمين الدكتوراه الفخرية، كل هذه اللقاءات تبرز عمق المحبة والتقدير والاحترام للملك سلمان بن عبد العزيز الذي يعد واحدا من أبرز قادة العالم في العصر الحديث يملك رؤية واضحة لمجريات الأحداث في العالم وفي العالم العربي والإسلامي وصناعة السلم والعدل الدوليين.
ومن يتصفح تاريخ العلاقات السعودية - المصرية يتضح له أنها ذات مدلول خاص إذ إن جذورها تمتد لتضرب في أعماق التاريخ لتمثل نموذجا للعلاقات بين دولتين كبيرتين تعملان على دعم الأمن والاستقرار والسلام والعدل الدوليين والسلام في الشرق الأوسط ودعم القضايا العربية والإسلامية والدولية.
وقد ظل هذا الدور المحوري بين الدولتين الشقيقتين قائما خلال الخمسينيات حيث عقدت في 27 أكتوبر 1955م اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين واستمرت الدولتان كقطبين مهمين في العلاقات والتفاعلات في النظام الإقليمي العربي والدولي.
وإبان العدوان الثلاثي الظالم الذي شنته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر عام 1956م برز الموقف القوي السعودي الذي كان سببا رئيسيا في دحر العدوان البربري على مصر، وقطعت المملكة علاقاتها بكل من فرنسا وبريطانيا ولم تعد العلاقات مع تلك الدولتين إلا بعد أن أعادت مصر علاقاتها مع تلك الدول بأشهر عدة.
وفي عام 1967 كان الملك فيصل- رحمه الله- الذي عرف بقوة الشخصية والنخوة والشجاعة في مقدمة الحاضرين لمؤتمر الخرطوم 1967، وعندما تحدث الرئيس جمال عبد الناصر في المؤتمر اقترح الملك فيصل أن تكون كلمة الرئيس جمال عبد الناصر هي ورقة العمل الخاصة بالمؤتمر!!
وفي ذلك المؤتمر الشهير حدد مبلغ الدعم لجمهورية مصر العربية بـ(135) مليون جنيه إسترليني، وقد أعلن الفيصل أن المملكة ستساهم بـ(50) مليون جنيه إسترليني، هذا المبلغ الكبير (آنذاك) دفعته المملكة رغم أن سعر برميل البترول كان وقتها يتراوح ما بين (1.80 و2) دولار للبرميل.
وفي الفترة ما بين 19 -26 يوليو 1971 قام الملك فيصل بزيارة رسمية لمصر استقبل استقبالا حارا وقال كلمة شهيرة (إن مصر هي الصخرة التي تتكسر عليها أطماع إسرائيل) وفي أغسطس 1972 زار الرئيس أنور السادات المملكة حيث استقبله الملك فيصل، وفي فبراير 1973 أعلن الفيصل قراره وضع (20) طائرة مقاتلة من طراز (لايتننغ) تحت تصرف مصر.
كل تلك المواقف والتحركات والزيارات التاريخية للفيصل والسادات كانت تنبىء بأن أمرا خطيرا سيقع، يؤكد هذا الزيارة القصيرة للسادات لمقابلة الملك فيصل بتاريخ 12 - 14 مايو 1973 التي أكد فيما بعد التاريخ السياسي والعسكري انه عرض خطة المعركة على الفيصل الذي باركها، لتبدأ معركة العاشر من رمضان المبارك 1973م، فنصر الله خير أجناد الأرض ومعهم إخوانهم من المملكة ومقاتلون عرب آخرون ليسجل التاريخ أروع البطولات ضد الدولة العبرية.
وإذا ذكرنا مواقف الفيصل لا بد أن نذكر القرار السياسي السعودي الشهير بقطع إمدادات النفط عن الدول التي وقفت إلى جانب إسرائيل في حربها ضد العرب عام 1973م وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وهولندا، وانتصر العرب للمرة الأولى في التاريخ الحديث على إسرائيل في حرب رمضان المبارك عندما حطم الجيش المصري خط بارليف ومعه العناد والصلف والإرادة الإسرائيلية.
لقد استحق الملك فيصل الذي زار مصر في الأول من أغسطس 1974 وزار جبهة القتال في الضفة الشرقية لقناة السويس متفقدا آثار العدوان الغاشم وأعلن تبرع المملكة بمبلغ (300) مليون جنيه لتعمير مدينة السويس، استحق بامتياز أن يقول السادات أن الملك فيصل هو بطل المعركة، وبسبب حظر النفط السعودي ومعركة رمضان المبارك غابت شمس النفط الرخيص وبدأت مرحلة ارتفاع الأسعار.
وإذا كانت هذه بعض مواقف الملك فيصل إبان معارك مصر مع إسرائيل، وهي مواقف تاريخية أسس قواعدها الملك عبد العزيز -رحمه الله- وسار على نهج سياسته الحكيمة أنجاله من بعده الملك سعود والملك فيصل والملك خالد والملك فهد والملك عبد الله رحمهم الله، فان التاريخ يعيد نفسه فخادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز وبلاد (أم الدنيا) تواجه تحديات جسام لا تقل أبدا عن الحروب التي خاضتها ضد إسرائيل لتحرير أرضها، وتتعرض لفتن داخلية ومؤامرات خارجية، لا تخفى على أحد.
لذا فإن خادم الحرمين الشريفين الذي قلده الرئيس عبد الفتاح السيسي (قلادة النيل) أرفع وسام مصري، ومنحته جامعة القاهرة العريقة في حفل بهيج الدكتوراة الفخرية تقديرا لدوره البارز عربيا وإسلاميا ودوليا في دعم السلام والأمن الدوليين ومناصرة القضايا العادلة ومحاربة التطرف والإرهاب.. الخ، يعتبر أمن واستقرار مصر امتدادا لأمن واستقرار المملكة، وهذا واقع معاش ولا يحتاج إلى تدليل، فالدولتان بينهما قواسم مشتركة في جميع المجالات السياسية والإستراتيجية والأمنية ومحاربة التطرف والإرهاب ومجالات الاقتصاد والتعليم والثقافة وغيرها كثير.
إن هذا يبرز عمق العلاقة التاريخية بين الرياض والقاهرة باعتبارهما العمود الفقري للنظام والأمن القومي العربي الذي أصبح اليوم يعيش حالة من الخوار والانكسار، ولذا فإن التلاقي بين البلدين له القدح المعلى في دعم مسيرة النظام العربي، ولا شك أن دعم الحكومة والشعب المصري في هذه الفترة من التاريخ العربي أصبح ضرورة وليس ترفا، فهو دعم لأمن العرب واستقراره الأمني والاقتصادي وهو واجب ديني لهذا الشعب الذي تستضيف المملكة منه حوالي (1.9) مليون من الأشقاء المصريين الذين أسهموا ويساهمون في مسيرة التنمية والتطوير والبناء في بلاد الحرمين الشريفين.
الموقف السعودي الداعم بقوة لمصر وشعبها وجيشها وحكومتها التي تسهر على أمن البلاد واستقراره إنما يعكس مدى عمق العلاقة بين الشقيقتين المملكة ومصر التي تمثل الماضي العريق وعمق الأصالة ومستقبل مشرق للشعبين العربيين اللذين تجمعهما علاقات الأخوة الضاربة جذورها عبر الأزمان.
وإذا كان الشعب المصري بكل طوائفه قد عبر عن شكره وامتنانه وتقديره لموقف خادم الحرمين الشريفين التاريخي تجاه مصر وأهلها، فإن هذا الاعتراف بالجميل ليس غريبا على شعب مصر، إذ يسجل التاريخ مواقف القيادة السعودية والشعب السعودي تجاه الأشقاء في مصر منذ حروب 1956، 1967، 1973، واليوم ينادي التاريخ المملكة لتقف إلى جانب مصر، وهي تحارب المؤامرات الخارجية السياسية والاقتصادية والفتن الداخلية والإرهاب.
ولذا كان ميدان الاقتصاد والاستثمار في مقدمة أولويات خادم الحرمين الشريفين لدعم مصرالذي يعاني اقتصادها تحديات جساما، فميزانيتها تعاني عجزا ناهيك عن ضغوط الدين العام، الذي ترك أثره على تدني سعر العملة المصرية أمام العملات الدولية، وهذا خرج من رحم تدني إيرادات السياحة التي تأثرت خاصة بعد بعض الحوادث الإرهابية في سيناء وتحطم الطائرة الروسية فوق سيناء الأمر الذي امتد ضرره إلى تدني وتيرة الاستثمارات الأجنبية في ذلك البلد.
لذا فإن توقيع (21) اتفاقية ومذكرة تفاهم استثمارية بين البلدين في العديد من المجالات وإعلان لمشروعين تم تأسيسهما فيه دلالة اقتصادية واستثمارية واضحة بأن البلدين عازمان على توطيد دعائم الاستثمارات وفتح مجالات أرحب لها في مصر بتذليل العقبات التي قد تواجه المستثمرين السعوديين.
هؤلاء رجال الأعمال السعوديون أقر منتدى فرص الأعمال السعودي في ختام اجتماعاته في القاهرة خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين إقرار (11) مبادرة دعما للتعاون الاقتصادي بين البلدين في المجالات الصناعية والاستثمارية وتأسيس مكتب لتسهيل إجراءات المستثمرين.. الخ، وهذا يمثل في علم الاقتصاد والاستثمار رسم خريطة طريق للفرص التجارية والصناعية المتاحة للاستثمار المشترك لبناء علاقات اقتصادية أكثر إنتاجية بين البلدين تقوم على وضوح الرؤية من خلال القوانين واللوائح الشارحة لمرونة الاستثمار وتسهيل إجراءاتها وحمايتها من كل أنواع البيروقراطية العفنة والفساد اللعين، وكلاهما يقفان عائقا في وجه الاستثمار الذي من أهم مقومات حياته الاستقرار الأمني والسياسي والقوانين الصارمة الداعمة له وألا يبقى الاستثمار ليولد ميتا، وتبقى نتائجه كمن يحرثون البحر ليزرعوا، إذا لم تصغ التشريعات التي تحرر الاستثمارات من العقبات التي من شأنها الحد من بطء الإجراءات لدفع عجلة الاستثمار إلى الأمام.. الخ.
وإذا كانت الاتفاقيات بين المملكة ومصر التي وقعت بين الدولتين برعاية خادم الحرمين الشريفين والرئيس عبد الفتاح السيسي تعد في علم العلاقات الدولية والثنائية تاريخية وتجسيدا حقيقيا لوحدة المملكة ومصر وقوة دافعة.. فهي نتيجة حتمية لزيارة الملك سلمان بن عبد العزيز التي ضخت مزيدا من القوة في عروق العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية والإستراتيجية بين البلدين، وركيزة لاستقرار المنطقة، وتعزيز التضامن العربي والإسلامي.
وإذا كانت لتلك الاتفاقيات أهمية كبرى، فإن إعلان الملك سلمان من العاصمة المصرية تشييد جسر يربط المملكة بمصر وكل من قارة آسيا وأفريقيا يحمل اسم خادم الحرمين، فان هذا نقلة هامة في العلاقات بين دولتين كبيرتين تمثل قوة وفاعلية التعاون العربي، ولذا فإن لإعلان الملك سلمان تشييد هذا الجسر رسالة قوة للعالم أجمع ان بلاده تبني من أجل دفع عجلة الاتصال بين الأمم، فالجسر ليس تلبية لحاجة بلاده ومصر، إنما هو جسر محبة لكل البشر، إنه ترجمة واضحة لرؤية الملك سلمان في توحيد مواقف أمة العرب والمسلمين، ويبرز الشراكة مع مصر لدعم اقتصادها الذي يعاني من تراكمات عقودا من البيروقراطية وضعف بنية الاستثمارات.
ولا شك أن الملك سلمان الذي عرف بدعمه غير المحدود لثقافة التسامح والتعايش ووقوفه ضد مروجي ثقافة الكراهية ودعمه لدور العبادة والدارسين والباحثين في العلوم التي تخدم البلاد والعباد فإن زيارته التي كانت مشحونة بجدول متعدد، شملت لقاءه بشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، وبابا الكنيسة القبطية تأكيدا لسياسة المملكة المبنية على تعاليم الدين الخالد، الدين الوسطي الذي يقبل الآخر وبذا فإن المملكة تبنت الحوار بين الثقافات والأديان.
وخلال زيارة خادم الحرمين الشريفين للأزهر الشريف اطلع على مشروع إعادة تأهيل الجامع ومشيخة الأزهر الأثرية الذي بدأ العمل فيه بمبادرة من الملك عبد الله بن عبد العزيز- رحمه الله-، ووضع حجر الأساس لمدينة البعوث الإسلامية، وأكد خادم الحرمين دعمه للأزهر بكل ما يلزمهم، وهذه هي أمور في مقدمة أهداف الملك سلمان فما أن تطأ قدماه بلدا عربيا أو إسلاميا أو أي دولة تستضيف جاليات إسلامية إلا ونرى مساهمات خادم الحرمين التي يشهد لها التاريخ خدمة للإسلام والمسلمين والإنسانية جمعاء.
لقد كان برنامج خادم الحرمين الشريفين حافلا بالنتائج التاريخية فسيناء التي يستهدفها الإرهاب، سيناء التي عبر إليها الملك فيصل- رحمه الله- بطل معركة 1973م بعد تحطيم خط بارليف.. هي سيناء التي أعلن أخوه الملك سلمان دعمها فتم توقيع اتفاقية مشروع جامعة تحمل اسمه بمدينة الطور واتفاقية أخرى لمشروع المجمعات السكنية ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين لتنمية سيناء.
ولأن الحدود البحرية بين البلدين انتهت دراستها من قبل لجان متخصصة خلال سنوات عدة، وكانت تنتظر التوقيع عليها من قبل ممثلي الدولتين، فقد شهد خادم الحرمين الشريفين والرئيس السيسي مراسم توقيع اتفاق تعيين الحدود البحرية بين البلدين الشقيقين الذي وقعه الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع ورئيس الوزراء المصري السيد شريف إسماعيل.
ولا شك أن هذا إنجاز هام يمكّن الدولتين من الاستفادة من المنطقة الاقتصادية الخاصة لكل منهما، بما توفره من ثروات وموارد طبيعية، وهذا يبرز مدى عمق علاقات الأخوة بين كل من المملكة ومصر اللذين لهما مواقف تاريخية تجاه بعضهما بعض، في علاقات دينية وحضارية وتاريخية عميقة، والدولتان يطبقان سياسة ترمي إلى توطيد أواصر الروابط الأخوية من أجل تحقيق الأهداف والآمال المشتركة بينهما والدول العربية والإسلامية، ولا شك أن ترسيم الحدود البحرية بين الدولتين هو دعم لهذا وللأمن القومي العربي.
هذا الأمن القومي العربي يواجه خطرا محققا، العراق واجهتنا الشرقية احتلت وقسمت وقضي على عمقنا الإستراتيجي الشرقي وأصبح من نصيب طهران، قدمته لها ماما أمريكا على طبق من ذهب، سوريا يدمرها طاغيتها تدعمه إيران وروسيا وحزب الشيطان وتلعب أمريكا لعبتها لتدمر ذلك البلد لتضمن أمن إسرائيل، الصومال واليمن وليبيا مسرح لكل الصراعات الداخلية والخارجية.
في وسط هذا الانكسار والتشرذم والتمزق العربي انقسم العمق العربي إلى أجزاء قطرية فتح الباب على مصراعيه لإيران لتبرز قوة على حساب العرب ليصبح لها القدح المعلى في العراق وسوريا وفي لبنان حيث حزب الشيطان، ومعروف أن إسرائيل تمثل تهديدا واقعا للأمن العربي منذ تأسيسها في 15 مايو 1948 على أرض العرب.
طهران منذ ثورة الخميني 1979 أعلنت تصدير ثورتها الخبيثة ثم سعت جاهدة للتدخل في الشئون الداخلية للدول العربية والإسلامية وأعلن قادتها مرارا وتكرارا هذا التدخل الفج ضد القانون الدولي والأعراف الدولية وميثاق الأمم المتحدة والشرعية الدولية، وآخر تدخلاتها الذي لن يكون الأخير التدخل السافر في اليمن الذي قطعت أذرعه قوة التحالف العربي بقيادة المملكة، وإذا كانت قوة العرب وضحت في القمة الإسلامية في اسطنبول ليصفع قرار القمة إيران في وجهها منددا بسياستها في التدخل في الشئون الداخلية للدول العربية ودعمها للإرهاب وهذا أرغم الرئيس الإيراني أن ينسحب غير مأسوف عليه من الجلسة الختامية حتى لا يسمع البيان الختامي الذي أدان بلده ومعه حزب الله الإرهابي بشدة، فإن واجب العرب والمسلمين الاستمرار في هذه السياسية الهادفة إلى عزل إيران عربيا وإسلاميا ودوليا حتى يعود قادتها إلى رشدهم ويتوقفوا عن أعمالهم العدائية وتدخلاتهم الشنيعة ودعمهم للإرهاب بعد أن رفض العالم الإسلامي تدخلات ذلك البلد ودعمه للإرهاب الأسود.
ولذا فإن الزيارة التاريخية تبرز دور المملكة ومصر في بناء أسس أمن قومي عربي بعد انكساره وخروج الدول التي جئنا على ذكرها مغردة خارجه، خاصة أن الجيش السعود والمصري يتربعان على مقدمة جميع الجيوش العربية، فالدولتان هما المعنيتان اليوم بأمنهما القومي والعربي وبإمكانهما تحقيق إستراتيجية عسكرية رادعة وهما متفقتان على بناء القوة.
إذا المملكة ومصر بينهما ثقة وتميز في علاقاتهما وبإمكانهما صنع القوة، فامتلاك القوة أبلغ وسيلة للحد من استخدام القوة المضادة، فلا يفل الحديد إلا الحديد - خصوصا في الممارسات الدولية، فالقوة ضرورة حتمية لحماية الحق تفرضها ظروف المتغيرات الدولية.
ومن يقرأ أهمية زيارة خادم الحرمين إلى أرض الكنانة والبرنامج المكثف ولقاء القمة بين الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس عبد الفتاح السيسي وحجم الوفد السعودي يدرك أن الدولتين عازمتين على وضع استراتيجيات مستقبل أمنهما وأمن مواطنيها والأمن القومي العربي لتضيفا لنفسهما قوة تضاف إلى قوتهما النفطية والاقتصادية والإستراتيجية والبشرية وتمنحهما دفعة قوية لمطالبة إسرائيل وإيران عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول العربية وجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل.
وهذا لن يحدث إلا بامتلاك ناصية قوة المعرفة والمعلومات التقنية النووية للأغراض السلمية، وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ الأنفال 60.
والله ولي التوفيق