إبراهيم عبدالله العمار
لا نزال في سلسلة البحث عن مدينة إرم ذات العماد، وهي رحلة للمستكشف الأمريكي نيكولاس كلاب يبحث فيها عن أطلال عاد، ورأينا الأسبوع الماضي أنهم وجدوا آثار قلعة، منها جدار طويل، ونقبوا حول الجدار الطويل واكتشفوا آثار عدة أبراج، وقدّروا عددها الإجمالي في تلك القلعة بأنها قرابة 8، وقال نيكولاس أنه يظن أن هذه الأبراج هي «العماد» التي أعطت مدينة عاد اسمها، أي مدينة إرم ذات العماد. وقفنا في آخر المقالة عند اكتشافهم قطعة اسطوانية صغيرة، لكن معناها أكبر من حجمها بكثير.
نكمل اليوم رحلة البحث هذه، ولنبدأ بتلك القطعة، ما هي؟ إنها صخرة صغيرة منحوتة بشكل اسطواني طولها 7 سم، على رأسها كرتين. أخذ عالم الآثار يتأملها، وقال بعضهم: «ربما هي قطعة دينية مثل بعض الآثار التي عثرنا عليها؟» لم يجبهم، أخذ يتأملها بصمت ويقلبها في يده، ثم قال: « أظن هذه القطعة ليست دينية إطلاقاً»، قالوا: «ما هي إذاً»؟ قال: «إنها قطعة شطرنج». إنها «الملكة» في رقعة شطرنج، وجدوها في قاعدة البرج السادس، ومع المزيد من التنقيب وجدوا ثلاث بيادق (جنود)، والوزير، والفارس، وأخيراً وجدوا الملك خارج البرج وعلى رأسه نجمة ذات ست أطراف. قطع من لعبة الشطرنج، أمر عجيب! إنها أقدم أحجار شطرنج وجدت في الجزيرة العربية، وإحدى أقدمها في العالم كاملاً!
لكن هذا أثار مشكلة: لعبة الشطرنج يُعتقد أنها ظهرت في الهند في أواخر القرن السابع الميلادي، أي بعد بعد دمار إرم مدينة عاد. توجّس المستكشف نيكولاس خيفة وتساءل: «هل يقضي هذا على نظريتنا أن هذه المدينة هي إرم؟» قال عالم الآثار: «ليس بالضرورة.. الحفرة التي وجدنا فيها آثاراً ربما تهاوت بعد عام 150 ميلادي، والقلعة هُجِرت، ثم بعدها بمئات السنين أتى آخرون وسكنوا في أطلال إرم». بعث هذا الأمل في نفس نيكولاس، إذاً الشطرنج تعود إلى أقوام سكنوا مساكن عاد بعد هلاكهم؟ هذا أقرب احتمال. من هم هؤلاء الذين سكنوا مساكن عاد؟ يتوقع نيكولاس أنهم...قبيلة عاد نفسها! كيف؟ يقول إنه لم يختف أهل إرم بعد خراب المدينة، إنما هناك أدلة أن بقيتهم اندمجوا في قبائل أخرى كقبائل في جبال ظفار وعلى حدود عمان واليمن، ولعلهم المؤمنين الذين نجوا من مهلك عاد.. ربما بعد فترة عاد هؤلاء إلى أنقاض مدينتهم ومصدر مائها الفريد، وبينما كانت أنعامهم ترعى فيما بقي من الواحة الخضراء قضوا ساعات في لعب هذه اللعبة الجديدة المكتشفة.
أتى بعض بدو تلك المنطقة لنيكولاس وسألوه: «إذا كانت هذه إرم.. فأين الذهب؟». لماذا سألوا هذا؟ لأن إرم اشتهرت مئات السنين أنها تحوي كنزاً هائلاً من الذهب! بماذا أجاب نيكولاس؟ نرى هذا الأسبوع القادم.