كتب - أحمد المغلوث:
منذ سكن الإنسان داخل الكهوف، وهو يبحث عن الضوء ليتيح له الرؤية الكاملة والواضحة، لذلك نجد في بعض الكهوف في الصين وأوربا وعلى الأخص تركيا حفروا نوافذ في مغارات الجبال التي تحولت لمساكن لهم. ومع مرور الأيام وتطور الإنسان واكتسابه خبرة حياتية ومعرفته بعملية البناء كان اهتمامه كبيرا بالنافذة التي هي عينه على العالم الواسع، فمن خلالها يدخل إليه الضوء وأشعة الشمس المحملة بالدفء أيام الشتاء البارد، أو النسيم العليل خلال شهور الصيف، ومع تنامي وعي الإنسان بعملية البناء استطاع أن يطور تصميمه وهندسته للنوافذ وصار يتفنن في تصميمها ووضع اللمسات الفنية والزخرفية عليها لتزيد من جمال المبنى أكان بيتا أم مكانا للعبادة، مسجدا أو معبدا، أو حتى مباني عامة.. وتوثق لنا كتب العمارة وتاريخها كيف تميزت فنون العمارة في العالم مع مرور القرون، ولنا في فن العمارة الإسلامية خير مثال على تميز المعماري المسلم في هذا المجال العظيم خصوصا في تنفيذه للجوامع والمساجد الإسلامية في العديد من المدن الإسلامية العربية وعلى الأخص في الاندلس ودمشق والقاهرة والجزائر والقيروان والمغرب وعمارة الحرمين الشريفين وتركيا و إيران وباكستان.. فكانت ضمن اهتمامات المعماري المسلم الاهتمام بإبراز جماليات النوافذ لأهميتها في المساهمة في انتشار الضوء داخل أروقة وقاعة الصلاة الفسيحة لشعورهم بأن النوافذ سوف تساعد على وصول النور والهواء لمئات المصلين.. مما يضفي على الحياة داخل الجامع فيتناغم نور الإيمان والنور الطبيعي القادم من خارج الجامع أو المسجد.. وهكذا ومع تطور العملية الإبداعية في التصميم واكتشاف مادة الزجاج تم توظيفها في إنتاج نوافذ مزججة ومطعمة بقطع الزجاج الملون، ليعكس منظرها مع انعكاسات الضوء والظلال جمالا مدهشا.. وهذه الخاصية باتت موجودة في مئات الجوامع والمساجد وحتى الصور والبيوت الكبيرة.. وصارت النوافذ المزخرفة بالزجاج الملون تجارة تدر الملايين على أصحابها، وبالتالي انتشرت هذه النوافذ ووصلت الى حتى بيوت العامة من الناس بعدما كانت فيما مضى حكرا على الجوامع والمساجد الكبيرة وقصور الأثرياء..
وشكلت النافذة في القصور والبيوت ركيزة أساسية ومهمة في حياة الناس، وكان الجلوس بقربها أو أمامها يعد المكان المحبب الذي يتسابق الجميع للجلوس فيه، خاصة النساء اللواتي كن ومن خلال الرواشين والمشربيات التي أضيف الى النوافذ في العديد من المباني والبيوت يشاهدن ما يحدث في الشارع أو الطريق أو معرفة من الشخص القادم لبيوتهن،كما هو مشاهد حتى اليوم في المباني في جدة والمدينة وينبع وحتى الأحساء. وتشاهد أيضا وإلى اليوم في الأحياء القديمة في مصر والمغرب وتونس والعراق.. وتفنن الحرفيون في العالمين العربي والإسلامي في إنتاج الرواشين وما تتميز به من حليات خشبية فيها من الإبداع الكثير كفت المقرتصات وهو من خصائص الفن المعماري الإسلامي، وشملت حتى الأبواب ومحاريب المساجد والجدران، وعاد هذا الفن ليغزو عالم الديكور ليعيد لنا من جديد فنا.. ولقد وظفت النوافذ في مئات الأعمال الفنية من رسم وتصوير وحتى أفلام. ومسرح وكتب فيها ومن وحيها عشرات القصائد الشعرية، بل استلهم منها بعض الأدباء حكايات وقصصا وحتى روايات تدور في هذا العالم الواسع «النوافذ» أو «الدرايش» كما تسمى في الأحساء وحتى الخليج.. وبعض الدول العربية كمصر يطلق عليها «الشبابيك». والمعروف أن النوافذ في الماضي كانت تصنع من الخشب، ولكن في عصرنا الحديث اجتاحت مواد جديدة على عملية التصنيع والإنتاج، فدخل الحديد المصقول، والالمونيوم، وحتى البلاستيك والفيبر في عملية التصنيع، ومع إشراقة شمس كل يوم جديد يبتكر المصممون والمنتجون أشكالا عديدة للنوافذ لتكون أكثر ديناميكية مع التصاميم الحديثة والمتطورة للعمارة الحديثة بصورة لافتة، فأنت تجد اليوم نوافذ دائرية، وسداسية، وبيضاوية. الخ. وياما في الجراب يا حاوي.. فالنوافذ عالم واسع ومتجدد مثل الضوء الذي يصلنا من خلالها كل لحظة.؟!