على حين غرة.. وكالطير المهاجر إلى البعيد..
والنسمة العابرة إلى حيث الوجود..
وما يحويه المكان فهذه زهرة، وهذا إبريق شاي، وذا ما تبقى من بقاياه..
وقلم مل إمساكه، فما يظل يتركه حتى يرجع فيمسكه، فمرة يكتب.. ومرة يتمتم دون معنى يفهم!
وكتب يلمها إليه كما الطفل بين ذراع أبويه..
وسدارته بيده اليسرى تارة وفوق رأسه تارة أخرى..
وذاك كرسي أمامه ظل فارغًا منذ زمن..
ووجه غيرت ملامحه البؤس والتناهيد..
وأوراق لا أعلم محتواها وفحواها.. رغم اقترابي من صاحبها..
إلا أنها مذكرة كتبت بيد ترتجف ألما.. وهنا لا أزيد!!
حتى مسك قلمه مرة أخيرة، فكتب على آخر ورقة من مذكرته أمامي..
وكأنه يريدني أن أقرأ «على حين غرة» بلمح البصر، وأن أسمع الثورات تخرج من شفتيه بحرارة ووهن!
فيكتب ويهمس: «كنتُ آمل أن تكون أكثر الناس تضحية لأجلي.
كنتُ آمل أن تعطيني جزءًا من قلبك كما أعطيتك كل قلبي.
كنتُ أراك كل العمر، ولطالما حلمت بأنك آخر من أنظر إليه قبل مماتي».
بهذه الكلمات..
وبكل ما تحمله من مشاعر ورسائل..
كتب الجرح على صفحة الحياة: «آماله البريئة وأحلامه الجريحة».
لينوح قائلاً قول الشاب الظريف:
وحرَّمُوا في الهوى وصلي وما عطفوا
وحلَّلُوا بالنوى قتلي وما رحموا
- جدة