عبدالعزيز السماري
عادة ما يطرح المفكرون مصطلح الآخر أو الآخرون عند الحديث عن الوحدة الوطنية أو مفهوم المجتمع الواحد، وهم في حقيقة الأمر في حالة بحث عن مصدر تلك النظرة الشوفينية لما هو مختلف في المجتمع، ويعاني من التهميش، والآخر مفردة مضادة للذات، بمعنى أن كل ما هو غير نفسي أنا، يُعد من «الآخرين»..
والآخر هنا تعني أيضاً كلما هو مختلف عن الأصل أو المحور، وعند محاولة تفكيكها تصطدم بكم هائل من المتشابكات، وقد تعني في الآخر رؤية في منتهى السلبية تجاه فكرة الاختلاف في المجتمع الواحد.
يطرح علم الاجتماع هذا المفهوم لفهم أكثر للمنهجية التي تُصنف المجتمعات من خلالها بعض فئاتها على أنها من «الآخرين» الذين يتصفون بصفات دونية لا تمكّنهم من الاختلاط معهم، وعند محاولة تطبيقها فلن تبدو الصورة متناسقة كما نعتقد، بل ستبدو في الشرق العربي في منتهى الغموض، وربما يستعصي فرزها بسهولة كما هو الحال في الغرب.
في الغرب تتشكَّل هوية الآخر عند اختلافه في اللون والدين، وعلى سبيل المثال تمثّل «فئة الواسب» الذات البرجوازية في بعض المجتمعات الغبية، وتعني بروتستانتي أنجلو - ساكوسني أبيض، وبهذا يتشكّل الآخر فيما عدا ذلك، من السود واليهود والعرب والمسلمين والهنود والصينيين وغيرهم.
ولو حاولنا تشريح تلك النظرة ميدانياً في المجتمع، لربما اختلفنا كثيراً في تحديد هوية الذات، ما هي بالتحديد، وهل هي العربي القبلي السني.. أم لها علاقة بالإقليم والمذهب الديني.. أم أنها تعني المتدين حسب المذهب السني، وهل يدخل في تلك الذات غير العربي ممن اختار السلفية كهوية دينية؟..
وهل الآخر هو غير المسلم أياً كان، أم هو غير المواطن، أم الذي يحمل جنسية بلد آخر، لكن ذلك يصطدم في بعض الأحيان بالهوية العربية أو مرجعية القبيلة في الأراضي العربية، والتي لا تعترف بحدود، وتُشكّل المرجعية القبلية جزءاً كبيراً من هوية الذات في الشرق العربي، لكن اختلاف القبائل وتنوعها يجعل من قضية الأنا والآخر في غاية التعقيد.
وهل يدخل في تعريف الآخر أيضاً المختلف طائفياً، فالآخر على سبيل المثال في الدول ذات الأغلبية السنية هو الشيعي، بينما الآخر في البلاد التي تطغى فيها الطائفة الشيعية هو السني، وفي بلاد السنّة قد تدخل تعريفات الآخر في تصنيفات أكثر تفصيلاً، في أن يكون الأشعري والصوفي هو الآخر في بلاد تغلب عليها تقليد المذهب الحنبلي، وربما يكون الآخر عند المتدينين هم غير المتدينين، والعكس صحيح، وهكذا..
في بعض الأحيان أشعر أنني وجدتها، وأعني بذلك مسألة الفصل بين الذات والآخر في المجتمع السعودي كمثال، وذلك عندما أسمع عن قضايا الفصل بين زوجين لعدم تكافؤ نسبهما، من قِبل القاضي الشرعي، وهو من يُمثّل الحكم بما أنزل الله في المجتمع.
من خلال هذه النافذة الصغيرة قد تشاهد عزيزي القارئ الصورة الكبرى خلف ستار الدين العظيم، فالذات هي تلك «الأنا» القادرة على جعل القضاء الشرعي يحكم بالفصل إذا لم يكن هناك تكافؤ في النسب، وهو بالمناسبة أول مبدأ تم تحطيمه بعد بزوغ رسالة الإسلام...
تملك الذات، المقصودة في قضايا الفصل لعدم تكافؤ النسب، اليد الطولى في التاريخ العربي، ويُشكّل المذهب الديني جزءاً يسيراً منها، ويتضح ذلك في القبائل التي تنقسم إلى شيعة وسنّة أو غيرهما، والذين لا يمكن أن يدخلا في صراع طائفي أو حروب فيما بينهما، في ظل طغيان الأنا الأقوى أو الذات القبلية..
ومن خلال هذه الصورة أيضاً تتضح الصورة في قضايا الفصل الطائفي، فالصفوي الطائفي هو المتهم بإذكاء الفتنة الطائفية، وليس العربي الذي قد يتبنى نفس المبادئ، ولكن طغيان الذات العربية نجحت في الفصل، وفي فك بعض أوجه الاشتباك بين العرب في قضايا كالطائفية..
في نهاية الأمر قد أكون لامست جزءاً يسيراً من ملامسة تلك الذات، لكنها مع ذلك تظل غامضة، وتختفي خلف أسوار عالية، وإن أظهرت بعضاً من ملامحها في قضيا الفصل بين الزوجين، والله المستعان.