الصلاحية مصطلح عملي يتم تداوله دائما ولا يكاد يمر يوم إلا وتزعجنا أصوات الناعقين بها من بعض المسؤولين غير المسؤولين حتى أصبحت أغنية خارجة عن التون لفظا ومضموما، لأنها فقدت قيمتها التي كانت ترتبط بالأخلاق والشعور بالمسؤولية تجاه من يملك الصلاحيَّة عليهم فأصبحت الصلاحية كلمة مطاطية قابلة للتطويع حسب مقاس ومزاجية وأهواء المسؤول الذي لم يعد يتم اختياره بحسب ماتقتضيه المصلحة او ماتستلزمه الصلاحية لمدى أهلية هذا الشخص للحصول عليها وفق المعايير المرتبطة لاختيار القيادات المناسبة.
وإذا رجعنا للمعايير الأخلاقية والإنسانية والمهنية التي تخلو منها سلوكيات بعض من يطلق عليهم «مسؤولون أو مسؤولات» فإنهم يفتقدون لأبسط مقوماتها «وإذا أراد ان يقيم نفسه مدعى الصلاحية « فليرجع لنص قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8].
فهذه الآية الكريمة وضحت ببلاغة تامة مفهوم الصلاحية والمهنية في استخدامها «مشددة في النهي عن تدخل مشاعرنا تجاه من نملك الصلاحية عليهم» حبا أوكرها فهي علاقة قائمة على العدالة في التقدير والتقييم بمهنية ولا يحق لأي مسؤول تطويع الصلاحيات التي خُولت له على مرؤسيه».
فكثير من مؤسساتنا الخدمية تضج أروقتها بمشاكل متعددة تؤثر على تجويد العمل والمهنية والأمانة في التعاطي بين الرئيس والمرؤوس بسبب استخدام بعض الرؤساء لصلاحيات منحت لهم حسب «النفسية والمزاج» بل تصل أحيانا لمرحلة الابتزاز المهني والامتهان لكرامة الموظف الذي يرتضي على نفسه أحيانا السكوت عن حقه لأن مستقبله الوظيفي مرتبط بمدى رضا المسؤول وليس بمدى رضاه هو عن نفسه وعن أدائه لأمانته الوظيفية والوطنية ومرتبطة أيضا بمزاجية هذا المسؤول الذي يحمل احيانا مشكلاته الشخصية وخلفياته السابقة عن موظف «ما» ليضع خطته للتعامل معه، مع جهل صاحب الصلاحية أيضا «لمصطلح الابتزاز الوظيفي» والعقوبات التي تقع عليها باعتبارها اساءة لاستخدام الصلاحية والسلطة بما يوجب العقاب.
وما أدى لتفاقم حجم خطورة الصلاحية هو جهل الموظف بحقوقه، فالحقوق الوظيفية مجهولة لدى الكثير من الموظفين والموظفات فيُعامل الموظف وكأنه «مستعبد» محروم من أبسط حقوقه في التعبير عن رأيه أو نقد ما يراه من خطأ في البيئة التي يعمل بها أيا كانت فكلما بادر بإبداء رأيه وجد قمعا من صاحب الصلاحية ـ خلك في شغلك ـ»هذه صلاحياتي وأنا صاحب القرار «بل إن بعضهم يفاجأ ببذاءة المسؤول ووقاحته باستخدام عبارات لاتليق في كثير من الاحيان مثل ـ انطم -فبعضهم يعتبر النقد البناء تقليلا لشأنه بل ويضعه في خانة الأعداء المحاربين للنجاح مما أدى لتفشي الخلافات العملية فنسمع عن ملفات ومحاضر تفتح للتحقيق مع الموظفين بسبب خلافات بينهم وبين رؤسائهم وقد تنتهي بحل الخلاف وديا او قد تصل للجهات العليا لنكتشف ان «مصطلح الصلاحية» ولغة الحوار المفقودة عاملان مهمان للفشل في كثير من المؤسسات الحكومية او الخاصة.
واذا أردنا ان نضع حدا لهذه المشكلات التي يعاني منها الرئيس والمرؤوس لابد من:
أولا: إيجاد تعريف واضح وصريح للصلاحية لغة ومضمونا - للموظف والمسؤول على حد سواء.
ثانيا: مراعاة أهلية الشخص الذي يُمكًّن من استخدام الصلاحيات فالشخصيات القيادية المتوفرة لا ترقى لمستوى الكلمة وغير مؤهلة ولم تصل لمرحلة «الوصف القرآني في تحقيقها للعدالة المهنية بعيدا عن العلاقات والآراء والخلفيات الشخصية المسبقة عن الموظفين.
ثالثا: توعية الموظفين بحقوقهم وآلية المطالبة بها والقنوات االنظامية التي يلجأ لها لحفظ حقوقهم وكرامتهم.
وأخيرا... إذا أردنا أن ننهض بمؤسسات هذا الوطن ومخرجاته علينا ألا نتخلى عن مسؤوليتنا نحن كمواطنين وعدم التفريط فيها والتخلص من الخوف عن مواجهة الخطأ حسب النظام وبالنظام وعدم قبول التجاوزات التي تصدر من بعض اصحاب الصلاحيات.. فمتى ماشعر صاحب الصلاحية أن هذه الخاصية تكليف وأمانة وليست تشريفا تخوله من امتهان كرامة من هم تحت صلاحيته فسيعيد كل مسؤول حساباته بأن ابناء هذا الوطن وصلوا لمرحلة من الوعي بالحقوق والواجبات تخولهم للنقد الذي يبني جيلا حريصا على المساهمة في بناء وطنه حباً وليس خوفاً.