حائل - خاص بـ«الجزيرة»:
أكد أكاديمي متخصص في العلوم الشرعية على أهمية الأمن الفكري وترسيخه في المجتمع، باعتباره من الركائز المهمة في الأمن، حيث يراد به حماية فكر الإنسان - الذي هو نتاج عقله - من التصورات والمعتقدات الفاسدة، والتي ترجع على سلوكه، فتهدد طمأنينة الإنسان والمجتمع من جميع النواحي الضرورية، حتى يصل الحال بالناس ألا يأمنوا على دينهم، ولا أنفسهم ولا أموالهم. وكشف لـ(الجزيرة) الدكتور سالم بن عبيد المطيري رئيس قسم الفقه في كلية الشريعة والقانون بجامعة حائل أعظم الطرق التي من خلالها يتحصن المسلم فكرياً، ويمتلك الآلة التي تكشف له شُبَهَ الباطل الثلاثة أولها: معرفة الحق، ومعرفة الباطل، حيث إن المسلم إذا عرف الحق، تمسك به، واسترشد بهديه، والحق قائم على العدل وإعطاء كل ذي حق حقه، وإذا عرف الباطل اجتنبه، وكان حذراً من الوقوع فيه، مُحذراً غيره منه، والباطل قائم على الظلم، وسلب الحقوق من مستحقيها.
ولهذا كانت أكمل المقامات مقام من عرف سبيل المؤمنين على التفصيل، وسبيل المجرمين على التفصيل {وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} لأن معرفة الباطل سبب لشدة التمسك بالحق، فإنا وجدنا الصحابة امتازوا على من جاء بعدهم بهذا، فعرفوا سُبُل الجاهلية، ثم عرفوا سبيل الإسلام والإيمان، فصاروا أكثر تمسكاً بالحق، وأعرف من غيرهم بفضل الله عليهم، وقد روي عن عمر: (إنما تنقض عرى الإسلام إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية).
وأعتقد أن شبابنا الذين انحرفت أفكارهم إنما أُتُوا من قِبل جهلهم بسبُل الباطل والإجرام، فإنهم لم يعرفوا من فرق الضلال والظلام إلا الأسماء، فلما غيرت أسماءَها، وغطت معتقدها بلون جديد، ورفعت راية الإسلام كذباً وزوراً؛ اغترّ بهم الشاب الذي لم يعرف أصلهم وفصلهم، وظن أنهم الضالة التي ينشدها، ليقوم بواجب الإسلام عليه، وما عرف المسكين أنه تنكب طريق الإسلام باتباعهم على طريقتهم، وفارق هداه.
وثانيها: التحصن بالعلم. وذلك باعتبار العلم هو السبيل الوحيد لتحصين الفكر من التصورات الفاسدة، وكشف تلبيس إبليس وأتباعه، ووجود العلماء - في حد ذاته - حياة للمجتمع، فهم مِنَّةٌ من الله على المجتمع، ورحمة للناس، فالعالم العارف بسبيل المؤمنين أرحم على الناس من أنفسهم، فإنه بعلمه وتعليمه سببٌ لأمن الناس على دينهم من عبث العابثين، وتحريف الغالين، وانتحال المبطلين، ولهذا قال الإمام أحمد: «الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل، بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويَصْبرون منهم على الأذى، يُحْيُون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيلٍ لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائهٍ قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدع، وأطلقوا عقال الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب.. يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهالَ الناس بما يُشَبِّهون عليهم».
وثالثها: أخذ العلم عن أهله، حيث إن العلم له مصادره الأصيلة التي يعرفُها أهلُه، تتمثل بكتاب الله تعالى، وسنة نبيه، والهدي الذي اجتمع عليه سلف الأمة، فإن هذا الهدي هو التفسير الحق لنصوص الشرع، وهو المرجع الفصل لبيان مراد الله ومراد رسوله عند الاشتباه، وما يخالف هذا الهدي فإنه مقطوعٌ خَطَؤُهُ. فمن جمع هذه الأصول بآلتها الضابطة، فهو العالم الذي يؤخذ عنه العلم، ومن جهلها أو بعضها، فليس بعالم يوثق بكلامه، ولا يصح عند ذوي العقول أن يتخذ مرجعاً للناس في شؤونهم الخاصة فضلاً عن النوازل العامة، قال نبينا عليه الصلاة والسلام عن قبض العلم بقبض العلماء: (حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا) وقديماً قيل: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم.