د. أحمد الفراج
قبل فترة ليست بالقصيرة، ظهر كاتب صحفي في لقاء، وعندما سئل عن الفقر في المملكة أجاب بما يوحي بأن الفقر شيء عادي، بل لم يبق إلا أن يقول: إنه من المفترض أن يكون مواطني المملكة كلهم فقراء، ولو أن هذا الكاتب ولد وفي فمه ملعقة من ألماس، لوجدنا له العذر بأنه لا يعرف أحوال الناس، ولكن الواقع يقول إنه جرب الفقر، قبل أن تمنحه الصدف المحضة فرص الظهور، والتي لم يأل جهدا في اهتبالها، عن طريق المنح والأعطيات، وتحسين الوضع الوظيفي، وربما أن لدى علماء النفس تفسيراً لذلك، وإن كنت أعتقد أن ما فعله هو انقلاب على ماضيه، ومحاولة للتملص منه، والتلزق بالطبقات المخملية، والغريب أنه يعتقد أنه بمثل هذا الكلام الفج يتقرب إلى السلطة، دون أن يعي أنه يسيء إليها، ويثير المواطنين، ويتسبب في بلبلة لا لزوم لها، وهو ليس الوحيد في ذلك، على أي حال.
إن لصاحبنا الكاتب رفقاء درب، ممن يعتقدون أنهم من يستحق الدعم، دون بقية الناس، فقد تبعه أحد الأثرياء والذي اعتبر أن المواطنين يبحثون عن «التدليع»، فبالنسبة لهذا التاجر فإن التعليم والتطبيب والسكن نوع من الرفاهية، فإذا طالب بها المواطنون، فهم يرتكبون إثما، وهذا على الرغم من تصريحات كبار رجال الدولة عن حق المواطن بهذه الخدمات، وحرصهم على تحقيقها، ولأن هذين لا يمثلان الدولة رسمياً، فإنه من الممكن تجاوز حديثهما. هذا، ولكن المصيبة هي عندما تصدر تصريحات «استفزازية» مماثلة من مسؤولين رسميين، وثقت بهم الدولة لخدمة المواطن، إذ هنا تصبح المسألة جدية، فهناك بعض المسؤولين والذين لا يمكن وصف تصريحاتهم بغير الحماقة، فهي من النوع الذي يمكن تجاوزه، أو التعبير عنه بطريقة ذكية، ودبلوماسية، بدلا من الاستفزاز، لأن مثل هذه التصريحات تسيء للدولة ومسؤوليها، قبل كل شيء، وتشحن النفوس، بل قد يتم تفسيرها، إذا صدرت من مسؤول كبير، بأنها وجهة النظر الرسمية، مع أن هذا غير صحيح، ومن المؤكد بأن مثل هذه السلوكيات أصبحت ظاهرة مزعجة.
طالما أن الدولة في مرحلة تغيير شامل، يتجاوز الطرق التقليدية، فقد يكون من المستحسن أن تتم معالجة الشأن الإعلامي المتعلق بتصريحات المسؤولين، عن طريق إعطائهم دورات تدريبية في فن التعامل مع الجمهور، أو أن توكل مهمة مواجهة الناس إلى أكفاء متخصصين، وهذا أمر معمول به في كل البلاد المتقدمة، إذ كلما اجتهدت الدولة في العمل على ملف يخص المواطن، وخدمته، ورفاهيته، يأتي مسؤول «غير مسؤول»، ثم يصرح بحديث مستفز، يناقض أهداف الدولة، بل ويسيء إليها، ونتمنى أن يكون ذلك أولوية قصوى.