منذ سنوات بعيدة وعندما كنا في عمر الزهور بدأت أسمع ترديد مقولة غسيل الدماغ أو Brain Wash، ولم أكن أستوعب ذهنياً كيف تتم مثل هذه العمليات ولكنني لم أكلف نفسي بالقراءة فيها أو البحث عن مكنونها مع أني كنت في تشوق لمعرفة كيف تتم وكيف تستطيع جهة ما أو مجموعة أشخاص أو حتى شخص واحد تغيير قناعات شخص أو مجموعة أشخاص أو أفكارهم واتجاهاتهم لما يراد تحقيقه أو بعضه حتى دقت ساعة عاصفة الحزم فعادت بي الذاكرة إلى أيام الشباب المبكرة فتذكرت أحد البرامج التي تشنف آذان الاطفال والكبار بشكل شبه يومي وهو برنامج موجه للناشئة وكانت أحد الأناشيد التي تتكرر بصفة شبه دائمة (بدي أصير طيار) وكانت خفيفة لطيفة ومحببة لنفوس الصغار والكبار وكان المذيع دائما عندما يسأل أي طفل وناشئ ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر ! كان الجواب فوريا وحتمياً أنهم يريدون أن يصبحوا طيارين، ولم يكن يومها تفكير أن هناك طيارا مدنيا وطيارا عسكريا، بل إن يصبح طياراً وحسب، وقبل أن تفتح كلية الملك فيصل -عليه رحمة الله- لعلوم الطيران. كانت بلادنا تبعث بشبابها المتحمس لدراسة هذا التخصص وغيره بشقيه المدني والعسكري إلى الولايات المتحدة الأمريكية وإلى باكستان ومصر وغيرها من البلدان في شرق الكرة الأرضية وغربها تطبيقاً للمثل القائل أطلبوا العلم من المهد إلى اللحد أو أطلبوا العلم ولو في الصين عندما كانت الصين بعيدة المنال ثم عندما تم افتتاح كلية الملك فيصل الجوية كان الإقبال عليها منقطع النظير ولا زال لدراسة علوم وهندسة الطيران واستقطبت طلاباً من دول الخليج والدول المجاورة من الدول الشقيقة والصديقة ولازالت، وعندما تفاجأ العالم بانطلاق عاصفة الحزم المباركة - إن شاء الله - وإقلاع مائة طائرة سعودية دفعة واحدة تدك متمردي الحوثي فنال هذا إعجاب وإكبار المواطنين والمقيمين والدول الشقيقة والصديقة وشعوبها فتفاجؤوا بقدرات الطيارين السعوديين وما يمتلكونه من طائرات حديثة من جميع الأنواع وقدرات قتالية وصاروخية وتكتيكات ومناورات أبهرت العالم وصعق منها الأعداء ومن يبيتون ويحيكون للمملكة المؤامرات والدسائس فعلموا أن المملكة الإسلامية حصن حصين بإذن الله وطود أشم شامخ لا يستطيع أعداء الله من النيل منها، وسوف تتكسر أحلامهم وأمانيهم ولن يتحقق لهم الا الخذلان، وأدرك العالم كله قوة المملكة الجوية الضاربة وقوتها التسليحية الحديثة التي لا تجعجع بها ولا تطنطن وكن عندما تحين ساعة الملاقاة يعرف شياطين الأرض أن هذه البلاد المقدسة في حمى الله ثم في حمى أبنائها الأشاوس وفي حمى أشقائها وأصدقائها، وأن الأيادي التي سوف تمتد للنيل منها سوف تقطع قبل أن تصل، وقبل الختام تعود بنا الذاكرة إلى قصة عام الفيل حين قدم أبرهة يريد هدم الكعبة وعسكر بجيشه بوادي الحيس، واستولى على إبل ابن عبدالمطلب، فقدم عليه ابن عبدالمطلب فقال له أبرهة ما مطلبك، فقال أن ترد علي إبلي ! فقال أبرهة لقد أكبرتك عندما أبصرتك، أنا قدمت لهدم الكعبة وأنت تنشد الأبل ! فكان جواب جد نبي الله الكريم أنه هو رب الأبل -أي مالكها- وأما البيت فله رب يحميه، وكأن ابن عبدالمطلب يستقرئ الأحداث قبل وقوعها، حيث طلب من القبائل المقيمة في مكة المكرمة وحولها أن يرتفعوا إلى أعالي الجبال حينها غطت طيور أبابيل سماء الوادي وأمطرت أبرهة وجنده بحجارة من سجيل منضود فسمي ذلك العام بعام الفيل، وهو العام الذي ولد فيه المصطفى خير بشر وطأت قدماه الشريفتان الثرى، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه في آخر الزمان يقدم جيش يريد مكة فيخسف الله بأوله وآخره فقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بما فيهم الصالحون، فقال عليه الصلاة والسلام إنهم سيبعثون على نياتهم فمكة والمدينة على مداخلها ملائكة حافظين كما أخبر بذلك الصادق المصدوق. أذكر أنه قبل فترة سأل صحفي أمريكي بعد انتهاء مناورة العلم الأحمر والتي تجري سنوياً في أمريكا وتشارك فيها المملكة عن مدى استفادة الطيارين السعوديين من الخبرات والمهارات الأمريكية في مجال المناورات الجوية، فقال الحقيقة إننا نحن من يستفيد من خبراتهم ومهاراتهم، والمملكة تشارك بصفة دائمة في مناورات الدول الشقيقة والصديقة سوآءا الجوية منها أو البرية أو البحرية مما أكسب جيشها بجميع فروعه خبرات قتالية ومهارات عالية يشهد بها الأعداء قبل الأصدقاء، وليس أدل على ذلك من جدارة قواتها في حرب تحرير دولة الكويت وإبان حرب الخليج اقتربت أربع طائرات معادية من حدودنا الشرقية فأسقط طيار سعودي واحد اثنين منها دفعة واحدة وهربت الأخريان ثم ما شاهده العالم في مناورة رعد الشمال الكبرى فتم تسجيل مهارة طيارين في كتاب جينس العالمي للأرقام القياسية، وما إقلاع مائة طائرة حديثة دفعة واحدة إلا دليل واحد على قدرة أسود المملكة أن يفدوها بأعز ما يملكون، وتصنف المملكة من ناحية قدراتها الجوية بالدولة السابعة في العالموأن لديها إمكانات هائلة تضعها في مصاف الدول العظمى من ناحية القوة الجوية والمكانة الاقتصادية والموقع الجيوغرافي وتفردها من بين دول العالم بالمكانة الدينية.
نسأل الله أن يحفظ هذه البلاد المقدسة من كل سوء ومكروه، وأن يحفظ لنا قيادتنا الرشيدة وأبناء قواتنا المسلحة البواسل من طيارين وضباط وجنود، وأن يرد كيد الأعداء إلى نحورهم.